عليه. ويجوز أن يسمى إيمانا حقيقة على وجه ، ومجازا على وجه : ومعنى ذلك : أن العبد إذا صدق قلبه بما قلنا وأقر بلسانه ، وعملت جوارحه فهو المؤمن الحقيقي عند الله وعندنا. وأما من كذب بقلبه وأقرّ بالوحدانية بلسانه وعمل الطاعات بجوارحه فهذا ليس بمؤمن حقيقة ، وإنما هو مؤمن مجازا ، لأن ذلك يمنع دمه وماله في أحكام الدنيا ، لأنه مؤمن من حيث الظاهر ، وهو عند الله غير مؤمن.
والدليل على صحة ذلك : قوله : (إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ (١)) [المنافقون : ١] فأخبر سبحانه بكذبهم ، ونحن نعلم وكل عاقل أنه ما كذب إقرار ألسنتهم ، وإنما كذب قلوبهم ، حيث أبطنوا خلاف ما أظهروا ، لأن الأخرس المصدق بقلبه إيمانه صحيح ، وإن كان لا يقدر على النطق والإقرار بلسانه ، وكذلك بالعكس من هذا ، فإن المؤمن المصدق بقلبه مؤمن عند الله تعالى ، وإن نطق بالكفر. يدلك على صحة ذلك : قوله تعالى : (مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً) [النّحل : ١٠٦] فأخبر أن نطق اللسان بالإيمان لا ينفع مع إصرار القلب على الكفر ، وإقرار اللسان بالكفر لا يضر مع تصديق القلب.
واعلم : أنا لا ننكر أن نطلق القول بأن الإيمان عقد بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالأركان ، وعلى ما جاء في الأثر (١) لأنه صلىاللهعليهوسلم إنما أراد بذلك أن يخبر عن حقيقة الإيمان الذي ينفع في الدنيا والآخرة ، لأن من أقر بلسانه ، وصدق بقلبه ، وعمل أركانه حكمنا له بالإيمان وأحكامه في الدنيا من غير توقف ولا شرط ، وحكمنا له أيضا بالثواب في الآخرة وحسن المنقلب ، من حيث شاهد الحال ، وقطعنا له بذلك في الآخرة ، بشرط أن يكون في معلوم الله تعالى أنه يحييه على ذلك ، ويميته عليه. ولو أقرّ بلسانه ، وعمل بأركانه ، ولم يصدق بقلبه ، نفعه ذلك في أحكام الدنيا ولم ينفعه في الآخرة ، وقد بيّن ذلك صلىاللهعليهوسلم حيث قال : «يا معشر من آمن بلسانه ولمّا يدخل الإيمان في قلبه» وإذا تأملت هذا التحقيق وتدبرته وجدت بحمد الله تعالى. ومنه : أن الكتاب والسنة ليس فيهما اضطراب ولا اختلاف ، وإنما الاضطراب ، والاختلال ، والاختلاف في فهم من سمع ذلك ، وليس له فهم صحيح ، نعوذ بالله من ذلك.
وكذلك أيضا : لا ننكر أن نطلق أن الإيمان يزيد وينقص. كما جاء في الكتاب والسنة ؛ لكن النقصان والزيادة يرجع في الإيمان إلى أحد أمرين : إما أن يكون ذلك
__________________
(١) لم يصح مرفوعا ، وفي صحيح مسلم الإيمان أن تؤمن بالله الحديث ... (ز).