راجعا إلى القول والعمل ، دون التصديق ؛ لأن ذلك يتصور فيهما مع بقاء الإيمان ، فأما التصديق فمتى انخرم منه أدنى شيء بطل الإيمان. وبيان ذلك : أن المصدق بجميع ما جاء به الرسول عليهالسلام إذا ترك صلاة أو صياما أو زكاة أو قراءة في موضع تجب فيه القراءة ، أو غير ذلك من الواجبات لا يوصف بالكفر بمجرد الترك مع كمال التصديق وثباته عليه. وبالضد من ذلك لو فعل جميع الطاعات. وأقر بجميع الواجبات ، وصدق بجميع ما جاء به الرسول إلا تحريم الخمر أو نكاح الأم ، ولم يفعل واحدا منهما ، فإنه يوصف بالكفر ، وانسلخ من الإيمان ، ولا ينفع جميع ذلك مع انخرام تصديقه في هذا الحكم الواحد ، فيجوز نقص الإيمان وزيادته من طريق الأقوال والأفعال ، ولا يجوز من طريق التصديق ، وقد بيّن ذلك صلىاللهعليهوسلم بقوله : «لا يكمل إيمان العبد حتى يحب لأخيه المسلم الخير» وكذلك قوله «حتى يأمن جاره بوائقه» وأراد بذلك الكف عن الأذى ، ولم يرد التصديق ، لأنه لو استحل أذاه لم يكن له إيمان لا زائد ولا ناقص. فافهم ذلك.
والأمر الثاني : في جواز إطلاق الزيادة والنقصان على الإيمان ، يتصور أيضا أن يكون من حديث الحكم لا من حيث الصورة ، فيكون ذلك أيضا في الجميع من التصديق والإقرار والعمل ، ويكون المراد بذلك في الزيادة والنقصان راجعا إلى الجزاء والثواب ، والمدح والثناء ، دون نقص وزيادة في تصديق ، من حيث الصورة. وقد دلّ على ذلك الكتاب والسنة.
أما الكتاب : فقوله تعالى : (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) [الحديد : ١٠] ولم يرد أن تصديق من آمن قبل الفتح يزيد على تصديق من آمن بعد الفتح ؛ لأن كل واحد منهما من حيث الصورة مصدق بجميع ما جاء به الرسول عليهالسلام ، لكن تصديق أولئك أكمل في الحكم والثواب ، والدرجة ، لأن هذا يصدق بشيء لا يصدق به الآخر.
وأما السنة : فقوله صلىاللهعليهوسلم : «لا تسبّوا أصحابي ، فلو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه» ومعلوم أن إنفاق مثل أحد ذهبا ما أنفقه أحد من الصحابة ، لكن إيمانهم ونفقتهم في الحكم والثواب ، والجزاء ، والدرجة أزيد وأكمل من نفقة غيرهم ، [فهي] وإن كانت في الصورة أكثر ، لكنها أنقص من حيث الحكم ، لا من حيث العين ، فاعلم حكم ذلك وتحققه ، ووازن هذا من أفعالنا اليوم ، وأنها تتصف بالزيادة من حيث الحكم دون العين. أن من صلى صلاة الظهر في بلد من البلاد غير