مكة والمدينة ، وأتى بجميع شرائطها ، وآخر صلى بمكة والمدينة على الوجه الذي صلّى عليه الآخر ، لا يقال : إن أحد الصلاتين أزيد من الأخرى من طريق الصورة والعين ، ولكن أحدهما أزيد من طريق الحكم ؛ في تحصيل الفضل والثواب ، ولهذا نظائر يطول تعدادها ، وقد تكون الزيادة بكثرة دلائل التصديق لا في التصديق.
مسألة
ويجب أن يعلم : أن كل إيمان إسلام وليس كل إسلام إيمانا ، لأن معنى الإسلام الانقياد ، ومعنى الإيمان التصديق ، ويستحيل أن يكون مصدق غير منقاد ، ولا يستحيل أن يكون منقاد غير مصدق ؛ وهذا كما يقال : كل نبي صالح ، وليس كل صالح نبيا.
ويدل على صحة هذه الجملة قوله تعالى : (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا) [الحجرات : ١٤] فنفى عنهم الإيمان وأثبت أن ذلك منهم إسلام لا إيمان. وأيضا : قوله تعالى : (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٧)) [الحجرات : ١٧] فغاير بين الإسلام والإيمان.
ويدل على صحة هذا القول أيضا أن الرسول عليهالسلام فرق هو وجبريل بين الإسلام والإيمان حين سأله ، فقال له ما الإيمان؟ فقال له صلىاللهعليهوسلم : «أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره حلوه ومره» فقال جبريل عليهالسلام : صدقت. والمراد بجميع ذلك أن : تصدق بالله ورسوله ، إلى آخر ما ذكر ، ثم قال له : فما الإسلام؟ فقال : «أن تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، وأن تقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم شهر رمضان وتحج البيت وتغتسل من الجنابة» وهذا واضح في كونهما غيرين ، وأن محل الإيمان القلب ، وهو التصديق ، ومحل الإسلام الجوارح ، وهذا الحديث يقوي لك جميع ما ذكرت لك. وأن التصديق متى اختل منه شيء انخرم الإيمان ، والقول والعمل يزيد وينقص ، ولا ينخرم الإيمان مع التصديق بجميع ما جاء به الرسل عليهمالسلام ، فعلى ما قررت لك لا يجوز أن نطلق. فنقول : إيمان أحدنا كإيمان جبريل ، ولا كإيمان محمد صلىاللهعليهوسلم ، ولا كإيمان الصدّيق رضي الله عنه (١) ، بل نمنع من ذلك ، ونريد به أن إيمان هؤلاء أفضل وأكمل
__________________
(١) ومن يجعلهم سواسية في الإيمان ، يريد تساويهم في الاعتقاد الجازم فقط (ز).