وأرفع ، من طريق الحكم الذي بينت لك ، ومن طريق آخر ، وهو أنه قد بان لهؤلاء من دلائل الوحدانية أكثر مما بان لنا ، فلا نطلق التسوية بين إيمانهم وإيماننا ، ولا نريد بذلك أنا نصدق بعض ما جاء به الرسل عليهمالسلام والصديق يصدق بالجميع ، بل لا يصح لأحد إيمان حتى يصدق بالجميع ، لكن إيمان الصدّيق أكمل وأفضل من الوجوه التي بينت لك.
مسألة
ويجب أن يعلم : أنه لا يجوز أن يقول العبد «أنا مؤمن حقا» ويعني به في الحال ، ويجوز أن يقول «أنا مؤمن إن شاء الله» لأن ذلك يكون شكا في الإيمان ، ولأن الاستثناء إنما يصح في المستقبل ، ولا يصح في الماضي ، وقد بيّن ذلك سبحانه وتعالى في قوله لرسوله صلىاللهعليهوسلم : (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً (٢٣) إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) [الكهف : ٢٣ ، ٢٤] وكذلك قال صلىاللهعليهوسلم : «إنا غدا إن شاء الله نازلون بخفيف بني كنانة» ولأن المشيئة لله تعالى سابقة لكل موجود ، فلو لا المشيئة لما وجد الموجود ، فكما لا يجوز أن يستثنى في الحال فلا يجوز أن يقطع في المستقبل. فاعلم ذلك وتحققه.
مسألة
ويجب أن يعلم : أن الاسم هو المسمى بعينه وذاته ، والتسمية الدالة عليه تسمى اسما على سبيل المجاز.
والدليل عليه قوله تعالى : (تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ) [الرّحمن : ٧٨] ومعناه : تبارك ربك ، وأيضا قوله تعالى : (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ) [الأعلى : ١] ولا يشك عاقل أن المسبّح هو الله تعالى ، لا قول من يقول التسبيح ، ويدل عليه قوله تعالى : (ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٤٠)) [يوسف : ٤٠] وقد علمنا أنهم ما كانوا يعبدون الأقوال والتسميات ، وإنما كانوا يعبدون الأصنام. فأما قوله تعالى : (وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) [الأعراف : ١٨٠] وقوله صلىاللهعليهوسلم : «إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة» ، فالعدد في ذلك راجع إلى التسميات التي هي عبارات الاسم ، فالتسمية تدل على الذات حسب دلالة الكتابة على المكتوب ، فمن لا يميز