مسألة
ويجب أن يعلم : أن نبينا محمدا صلىاللهعليهوسلم مبعوث إلى كافة الخلق ، وأن شرعه لا ينسخ ، بل هو ناسخ لجميع من خالفه من الملل.
والدليل على ذلك : ثبوت نبوته ، وصدق مقاله ، وقد أخبر بجميع ذلك.
واعلم أن أكبر معجزاته القرآن العربي ، وفيه وجوه من الإعجاز :
أحدها : ما اختص به من الجزالة ، والنظم والفصاحة الخارجة عن أساليب الكلام ، وتحدى به فصحاء العرب بأن يأتوا بسورة من مثله فعجزوا عن الإتيان بمثله ، وهم أهل الفصاحة والبلاغة ، ولم يتأت لهم ذلك في مدة ثلاث وعشرين سنة.
ومن وجوه الإعجاز في القرآن : اشتماله على قصص الأولين ، وما كان من أخبار الماضين ، مع القطع بأنه صلىاللهعليهوسلم كان أميا لا يكتب ولا يقرأ ، ولم يعهد منه صلىاللهعليهوسلم في جميع زمانه تعاط لدراسة كتب ولا تعلّمها ، وقد نفى عنه سبحانه وتعالى ذلك بقوله : (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ (٤٨)) [العنكبوت : ٤٨].
ومن وجود الإعجاز : [أن] اشتمال القرآن على [ما لا يحصى من] علم غيوب متعلقة بالمستقبل ظاهر جلي ، مثل قوله تعالى : (وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) [الأعراف : ١٢٨] وقوله تعالى : (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ) [الفتح : ٢٧] ومثل قوله : (كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي) [المجادلة : ٢١] إلى غير ذلك ، من وجوه الإعجاز في القرآن كثير جدا.
وله صلىاللهعليهوسلم آيات ومعجزات سوى القرآن : كانشقاق القمر ، واستنزال المطر ، وإزالة الضرر من الأمراض ، ونبع الماء من بين أصابعه ، وتسبيح الحصى في يده ، ونطق البهائم ، إلى غير ذلك من المعجزات والآيات الخارقة للعادة ـ صلىاللهعليهوسلم ـ رزقنا الله شفاعته ، وحشرنا في زمرته.
مسألة
ويجب أن يعلم : أن نبوات الأنبياء صلوات الله عليهم لا تبطل ، ولا تنخرم ، بخروجهم عن الدنيا وانتقالهم إلى دار الآخرة ، بل حكمهم في حال خروجهم من الدنيا كحكمهم في حالة نومهم ، وحالة اشتغالهم ، إما بأكل أو شرب ، أو قضاء وطر. والدليل عليه : أن حقيقة النبوة : لو كانت ثابتة لهم في حالة اشتغالهم بأداء الرسالة دون غيرها من الحالات ، لكانوا في غيرها من الأحوال غير موصوفين بذلك.