مسألة
والدليل على إثبات الإمامة للخلفاء الأربعة رضي الله عنهم على الترتيب الذي بيّنّاه : أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا أعلام الدين ، ومصابيح أهل اليقين ، شاهدوا التنزيل ، وعرفوا التأويل ، وشهد لهم النبي صلىاللهعليهوسلم بأنهم خير القرون ، فقال : «خير القرون قرني» فلما قدّموا هؤلاء الأربعة على غيرهم ورتبوهم على الترتيب المذكور ، علمنا أنهم رضي الله عنهم لم يقدموا أحدا تشهيا منهم ، وإنما قدموا من قدموه لاعتقادهم كونه أفضل وأصلح للإمامة من غيره في وقت توليه.
قال الشريف الأجل الإمام جمال الإسلام : ووقع لي أنا دليل من نص الكتاب في ترتيبهم على هذه الرتبة : أنه لا يجوز أن يكون غير ذلك [هو] قوله تعالى : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٥٥)) [النّور : ٥٥] ووعده حق ، وخبره صدق ، لا يقع بخلاف مخبره ، فلا بد من أن يتم ما وعدهم به ، وأخبر أن يكون لهم ، ولا يصح إلا على هذا الترتيب : لأنه لو قدم عليّ عليهالسلام لم تصر الخلافة فيها إلى أحد من الثلاثة ، لأن عليّا عليهالسلام مات بعد الثلاثة. وكذلك لو قدم عثمان رضي الله عنه لم تصر الخلافة إلى أبي بكر وعمر ، لأن عثمان مات بعد موتهما ، ولو قدم عمر لم تصر الخلافة إلى أبي بكر لأن عمر مات بعده ، والله تعالى أخبر ووعد أنها تصير إليهم فلم يصح أن تقع إلا على الوجه الذي وقعت. ولله الحمد على الهداية والتوفيق.
مسألة
ويجب أن يعلم : أن ما جرى بين أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم ورضي عنهم من المشاجرة نكف عنه ، ونترحم على الجميع ، ونثني عليهم ، ونسأل الله تعالى لهم الرضوان ، والأمان ، والفوز ، والجنان. ونعتقد أن عليّا عليهالسلام أصاب فيما فعل وله أجران. وأن الصحابة رضي الله عنهم إنما صدر منهم ما كان باجتهاد فلهم الأجر ، ولا يفسّقون ولا يبدّعون.
والدليل عليه قوله تعالى : (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) [المائدة : ١١٩] وقوله تعالى : (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ)