والمقروء ، لأنه صلىاللهعليهوسلم عنى بالأحمر العربي الفصيح ، وبالأسود الأعجمي ، فالعجمي يقع في قراءته اللكنة والتمتمة ويسلم من ذلك العربي الفصيح فاستمع صلىاللهعليهوسلم قراءتهم المختلفة وحثّهم ورغّبهم في القراءة وأخبر أن كتاب الله واحد ليس بمختلف ولا متغاير ، ثم أعلمهم بمجيء قوم من بعدهم ممن يقوم القراءة تقويم القدح ، فعلم كل عاقل أن كلام الله القديم الأزلي ليس مما يعوج فيقوم ، وإنما العوج يقع في قراءة القارئ فيقوم.
ويدل عليه أيضا قول ابن مسعود رضي الله عنه : عجبت للناس وتركهم لقراءتي وأخذهم قراءة زيد بن ثابت ، وقد أخذت من فيّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم سبعين سورة وزيد بن ثابت غلام صاحب ذؤابة. فأضاف ابن مسعود قراءته إلى نفسه ، وأضاف قراءة زيد إلى نفسه ، وأخبر أن قراءته أكمل من قراءة زيد ؛ لأخذه لها من في رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فغاير بين القراءتين ، ومعلوم عند كل عاقل أن المقروء والمتلو الذي يقرأه عبد الله هو المقروء المتلو الذي يقرأه زيد ، وإن كانت قراءة أحدهما غير قراءة الآخر.
ويدل عليه ما روي عن عمرو بن مرة قال : سمعت أبا وائل يحدث : أن رجلا جاء إلى ابن مسعود فقال : إني قرأت المفصل كله في ركعة فقال عبد الله : هذّا كهذّ الشعر ، لقد عرفت النظائر التي كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقرن بينهن. وعنه أيضا أنه قال له رجل : إني أقرأ المفصل في ركعة ، فقال عبد الله : هذّا كهذ الشعر ، إن أقواما يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم ولكن إذا وقع في القلب فرسخ نفع. ومعلوم أن ابن مسعود رضي الله عنه لم يشبه كلام الله تعالى بهذا الشعر ، وإنما شبه قراءة القارئ دون كلام الباري. وأيضا قوله صلىاللهعليهوسلم : «من قرأ القرآن بإعراب فله أجر شهيد». وأيضا ما روى أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من قرأ القرآن متثبتا أو بإعراب كان له بكل حرف فضل أربعين حسنة». فكل عاقل يعلم ويتحقق أن القراءة المعربة غير القراءة الملحونة ؛ لأن من صحح قراءة الفاتحة صحت صلاته ، ومن ترك ذلك مع قدرته عليه بطلت صلاته. فأما كلام الله تعالى القديم فلا يتصف بالصحة وضدها بل هو صحيح على كل حال ، وإن وقع الفساد في القراءة.
وأيضا ما روي قتادة قال : قلت لأنس بن مالك كيف كانت قراءة النبي صلىاللهعليهوسلم؟ قال : يمد صوته مدا. وأيضا ما روى عبد الله بن مغفل قال : رأيت النبي صلىاللهعليهوسلم يوم الفتح وهو على ناقته أو جمله وهو يسير وهو يقرأ سورة الفتح أو من سورة الفتح قراءة لينة. فمعلوم عند كل عاقل عارف أن الترجيع والمد ، واللين ، إنما تقع في القراءة التي هي صفة القارئ دون كلام الله القديم الأزلي ، ومن اعتقد أن الترجيع ،