أحدهما : أنه تعالى ذكر تلاوة ، ومتلوا ، وقراءة ، مقروءا ، فبطل بذلك زعمهم أنه شيء واحد.
الثاني : أنه أمر بالقراءة ، والتلاوة ، والأمر هو استدعاء الفعل بالقول ممن هو دونه. والصفة القديمة التي هي المقروء ، والمتلو لا يصح فيه الفعل ولا استدعاء الفعل ، فصحّ أن المأمور به استدعى غير المقروء ، والمتلو هي القراءة والتلاوة. فافهم هذا التقرير فإنه يوجب الفرق بين الأمرين ، ضرورة الإشكال فيه. ثم نقول لهم : القراءة قد اختلفت وتنوعت أنواعا ، أفتقولون إن المقروء الذي هو القرآن مختلف متنوع؟ فإن قالوا : نعم كفروا ، وإن قالوا : لا فقد ثبت أن الذي جاز عليه الاختلاف والتنوع غير الذي لم يجز عليه ذلك ، وأيضا فإن كل قراءة منسوبة إلى قارئها ، فيقال هذه قراءة أبي ، وهذه قراءة ابن مسعود ، وكذلك في سائر القراءات ، ولا يجوز أن ينسب المقروء الذي هو القرآن إلى أحد من الخلق ، فيقال هذا قرآن أبي ولا قرآن ابن مسعود ، فصحّ أن القراءة فعل القارئ ، فصحّ أن تنسب قراءة كل واحد إليه ، لأنها فعله الذي يثاب ويمدح عليها تارة ويعاقب ويندم عليها أخرى ، والمقروء بسائر القراءات كلام الله تعالى الذي ليس بفعل لأحد ، فصحّ الفرق بين الأمرين.
* * *
فصل
ثم نقول لهم : ما تقولون فيمن قال : إن قرأت بقراءة أبي جعفر يزيد القعقاع ـ شيخ نافع ـ فعبدي حر ، فقرأ بقراءة الجحدري عاصم ، أيعتق عبده أم لا؟ ليس فيه خلاف بين المسلمين. ولو قال إن قرأت مقروء ابن كثير فعبدي حر ، فقرأ بقراءة ابن عامر عتق عبده ، لأن المقروء شيء واحد ، وإن اختلفت القراءات.
* * *
فصل
ثم نقول : لو اجتمع مائة قارئ فقرءوا القرآن أليس عدة القراء مائة ، كل واحد منهم يثاب على قراءته ، فالثواب مائة ثواب على مائة قراءة ، أفتقولون : إن القرآن الذي قرءوه بقراءتهم مائة قرآن أم قرآن واحد ، فلا يقول عاقل إلا أنه قرآن واحد ، لكن القراءات متعددة ، فصحّ الفروق بين القراءة والمقروء.
* * *