يسقط منه شيئا (١) ، وإنما الألف صفة قراءة دون قراءة ، فالمقروء مع إثبات الألف هو المقروء مع إسقاط الألف شيء واحد ، لا يزيد بزيادة الحروف ولا ينقص بإسقاط الحروف ، والقراءة تزيد بزيادة الحروف وتنقص بإسقاط الحروف ، وقد قيل : إن من قرأ القرآن بقراءة ابن كثير كتب له أجر ختمة وثلث ، لأنه يزيد في الحروف أكثر من سائر القراء لأنه يقرأ لديه وإليه وعليه ، والكسرة عندهم تقوم مقام حرف ، وقرأ في التوبة (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) [البقرة : ٢٥ و ٢٦٦ ، آل عمران : ١٥ ، ١٣٦ ، ١٩٥ ، ١٩٨] وهذا يوضح لك أن قوله صلىاللهعليهوسلم : «من قرأ القرآن فله بكل حرف عشر حسنات» أن الحروف عائدة إلى القراءة. وطول حروفها دون المقروء الذي هو كلام الله تعالى لا يزيد ولا ينقص. وسنذكر ذلك في الجواب عن هذا الخبر إذا احتجوا إن شاء الله تعالى وبه الثقة.
جواب آخر : وهو أنك تقول : خبرونا عن حروف كلام الله على زعمهم ، أهي ثمانية وعشرون حرفا أو أكثر أو أقل؟ فإن قالوا هي ثمانية وعشرون حرفا فقد جعلوا القديم مما يحله الحصر والعد والافتتاح والانتهاء [وهي] صفة المخلوقات لا صفة القديم. وإن قالوا : أكثر. قلنا : أكثر إلى ماله حد أو إلى ما لا حد له؟ فأي القولين قالوا كان باطلا ، لأن القرآن لا يخرج في الكتابة والتلاوة على أكثر من هذه الثمانية وعشرين حرفا ، فعلى قولهم يجب أن يكون معنا بعض القرآن لا كله ، لأن القرآن عندهم حروف يزيد على هذه الحروف ، ولعل الذي يكون معنا من القرآن أقله ، لا سيما إن قالوا إن الحروف القديمة لا يدخلها حصر ولا عد ، وهذا قول ساقط واه عند كل عاقل محصل ، فلم يبق إلا أن الحروف والأصوات أدوات نكتب بها ونتلو بها الكلام القديم ، وغير الكلام القديم ، لا أنها نفس الكلام. فافهم ذلك.
وجواب آخر : وهو أن تقول لهم : خبرونا أليس قد قرأ سائر القراء غير نافع وابن عامر في سورة الحديد في قوله تعالى : (وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) [الحديد : ٢٤] بإثبات الهاء والواو ، وقرأ نافع وابن عامر بإسقاط الهاء والواو ، فالذي أسقط من الهاء والواو كلام الله تعالى أو قراءة كلام الله تعالى ، فلا يجوز لعاقل أن
__________________
(١) وإسقاط الألف وإثباتها متواتران ، فيكونان كآيتين ، ولم يسقطها قارئ بنفسه ولا أثبتها قارئ آخر بنفسه ، فلا تكون في الجواب وجاهة كما سيأتي (ز).