يا محمد ، ثم أخبرهم أنه جبريل عليهالسلام ، فصحّ بإجماع الأنبياء والرسل والملائكة والصحابة أن الأمور كلها بقضاء الله وقدره.
ويدل عليه قوله صلىاللهعليهوسلم من جملة حديث : «فتقول الملائكة يا رب أشقي أم سعيد ، فيقضي الله عزوجل ويكتب الملك ، ثم تطوى الصحف فلا يزاد فيها ولا ينقص» ثم أكد ذلك قوله صلىاللهعليهوسلم : «السعيد من سعد في بطن أمه والشقي من شقي في بطن أمه» فعلم كل عاقل أن الله تعالى أسعد من شاء وكتبه سعيدا وأشقى من شاء وكتبه شقيا ، وأخبار الرسول وأقوال الصحابة في هذا المعنى كثيرة جدا لا تحصى ، وفي بعض ما ذكرنا كفاية.
ويدل على صحة مذهب أهل السنة والجماعة : إجماع المسلمين من الصحابة وهلم جرا إلى وقتنا هذا : أن الجميع منهم يطلق ، ويقول في الخلاء والملاء من غير نكير : ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. فوقع الإجماع من الخاص والعام أن الأمور كلها بمشيئة وقدر (١) من الله تعالى. وقيل أوحى الله إلى بعض الأنبياء : تريد وأريد ولا يكون إلا ما أريد ، فإن لم تسلم لما أريد أتعبتك فيما تريد ، ثم لا يكون إلا ما أريد ، وهذا نص واضح في أنه لا يكون في الدارين إلا ما أراد الله تعالى. وقد سئل بعض السلف فقيل له : بم عرفت ربك؟ قال : بنقض العزائم ، وفسخ الهمم ، وذاك أن الواحد منا يعزم على الأمر ويهم به ، فيجري عليه غير ما عزم عليه وهمّ به ، فعلم كل عاقل أن ذلك الفسخ لأن المقدر قدر له غير ما قدر لنفسه ، والمريد أراد له غير ما أراد لنفسه ، فكان ما أراده العبد لنفسه. ولو شرعنا في ذكر ما روي عن السلف والخلف في هذا المعنى طال ولم يسعه كتاب (٢).
* * *
فصل
ويدل على صحة مذهب أهل السنة والجماعة من أدلة العقل أن الملك إذا جرى في ملكه ما لا يريد ، دلّ ذلك على نقصه أو ضعفه أو عجزه ، والله تعالى موصوف
__________________
(١) وقدر الله في أفعال العباد الاختيارية على طبق علم الله بها ، وعلم الله بأفعال العبد باختياره لا ينافي اختياره فيها ، بل يحقق اختياره فيها ، فليس هناك شائبة جبر في التحقيق (ز).
(٢) أسباب الخذلان وأسباب التوفيق عند الله سبحانه تؤدي إلى تيسير النشر في أناس وتيسير الخير في أناس ، والأسباب التي يتلبس بها العبد تؤديه إلى مقتضاها وإن كانت تفاصيل ذلك مجهولة عند العبد ، فيعود الأمر إلى حسن اختيار العبد أو سوء اختياره (ز).