ويدل عليه قوله تعالى : (وَمَنْ يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شَيْئاً) [المائدة : ٤١] وهذا نص في أنه أراد فتنة الكافر وإضلاله. ويدل عليه أيضا قوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً) [يونس : ٩٩] وهذا نص واضح يغني عن الشرح ، إلا أنه أخبر أنه ما شاء أن يؤمن أهل الأرض كلهم. وعند المخالف أنه قد شاء ذلك ، والله قد أكذبه في هذه الآية وأمثالها.
ويدل عليه أيضا قوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ) [المائدة : ٤١] وهذا صريح في إرادته بقاءهم على كفرهم. ويدل عليه أيضا قوله تعالى : (وَلكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ) [التّوبة : ٤٦] فأخبر تعالى أنه أراد قعود المنافقين عن الخروج إلى الغزو في سبيل الله تعالى ، ولو أن أحدنا أراد أن يستقصي جميع ما في القرآن من الأدلة على صحة مذهب أهل السنة والجماعة وإبطال بدعة القدرية مجوس هذه الأمة كما جاء في الأثر وقول الصحابة لطال ذلك ، وما وسعه كتاب (١).
ويدل على صحة قول أهل السنة والجماعة من الأخبار ، ما روي في الصحاح في محاجة موسى وآدم عليهماالسلام ، حتى قال آدم : يا موسى أترى هذا الأمر قد قدر علي أولم يقدر؟ فقال موسى : بل قدر عليك. فقال له آدم : فكيف يكون فراري من أمر قدر علي؟ قال نبينا صلىاللهعليهوسلم : فحج آدم موسى ، أي ظهر عليه في الحجة (٢) وهذا صريح من نبينا صلىاللهعليهوسلم ومن جميع الرسل عليهمالسلام أن جميع الأمور خيرها وشرها بقضاء الله وقدره ومشيئته.
ويدل عليه أيضا الخبر المروي في الصحاح عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن أبيه ، عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما أتاه الرجل فسأله عن الإيمان فقال : «أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره من الله تعالى» فقال : صدقت
__________________
(١) والأدلة المذكورة واضحة في عموم إرادة الله سبحانه. وليس في شيء منها إبطال اختيار العبد ليكون مجبورا في أفعاله ، وأما حديث القدرية مجوس هذه الأمة فقد ذكرنا كلام أهل الشأن فيه في مقدمة «التبصير» وفي سنده جعفر بن الحارث ، وهو منكر الحديث عند العقيلي ، وغلا ابن الجوزي والصنعاني فحكما بوضعه (ز).
(٢) ويرى ابن حزم كون موسى محجوجا ناشئا من جعله لو آدم على غير فعله لا من القدر ، كما في الإحكام (١ ـ ٢٦) فلا يكون الحديث من أدلة القدر عنده ، وإن كان في الكتاب والسنة كثير من الأدلة على القدر ، ولا يرى ابن حزم أيضا معنى الإجبار والإكراه في القضاء والقدر على خلاف ظن بعض الناس كما في الفصل (٣ ـ ٥١) (ز).