عليه ، سبحانه وتعالى عما يشركون. ونحن براء إلى الله تعالى من جهلهم وبدعهم ، ونقول : إن مذهب أهل السنة والجماعة الذي ندين الله تعالى به أنه لا يتحرك متحرك ، ولا يسكن ساكن ولا يطيع طائع ، ولا يعصى عاص ، من أعلى العلى إلى ما تحت الثرى إلا بإرادة الله تعالى ، وقضائه ومشيئته.
ويدل على صحة ما قلناه الكتاب والسنة وإجماع الأمة وأدلة العقل. فأما الكتاب : فأكثر من أن يحصى ، لكن نذكر منها ما فيه الكفاية ، ويدل العاقل على نظائره من أدلة الكتاب ، فمن ذلك قوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ (١١٨)) [هود : ١١٨](إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ) [هود : ١١٩] وهذه الآية أوضح دليل وأقوم حجة من وجوه عدة :
أحدها : أنه أخبر تعالى أنه لو شاء وأراد لجعل الناس كلهم أمة واحدة على الإيمان أو على الكفر والضلال ، وهذا خلاف قول المعتزلة ، لأنهم يقولون : إنه ما أراد إلا كونهم أمة واحدة على الإيمان ، بطل قولهم ببعض هذه الآية.
الثاني : أنه قال : (وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ) [هود : ١١٨](إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ) [هود : ١١٩] فأخبر تعالى أنه خلقهم لما أراد من اختلافهم ، وأنه لم يرد أن يكونوا أمة واحدة.
الثالث : قوله تعالى : (إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ) [هود : ١١٩] فأخبر تعالى أن منهم من رحمه وأراد رحمته دون غيره ، فصحّ أنه لا يكون من عباده ولا يجري في ملكه إلا ما أراده وقضاه وقدره.
ويدل عليه أيضا قوله تعالى : (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً) [الأنعام : ١٢٥] فنصّ تعالى على أن الهدى بإرادته ، والضلال بإرادته ، وهذا نص واضح لا إشكال فيه.
ويدل على صحة مذهب أهل السنة والجماعة قوله تعالى : (وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) [الأعراف : ١٧٩] وجه الدليل : أنه تعالى خلق من الجن والناس قوما ليدخلوا النار ويكونوا أهلا لها ، ولا يكونون أهلا لها إلا بالكفر والطغيان والعصيان ، فعلم أن جميع ذلك بإرادته وقضائه وقدره.
ويدل عليه أيضا قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) [الأنعام : ١١١] فأخبر تعالى أن الحجج والآيات لا تنفع ، وإنما تنفع المشيئة التي تتم بها الأشياء ، فمن شاء إيمانه آمن ، ومن شاء كفره لم يؤمن.