فأنقذه الله بعزته وحكمته وخيّب مكر أعدائه. وهذا هو ما تضمنته الآيات (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ) [آل عمران : ٥٢] إلى آخرها ، بيّن الله فيها قوة مكره بالنسبة إلى مكرهم ، وأن مكرهم في اغتيال عيسى قد ضاع أمام مكر الله في حفظه وعصمته ، إذ قال : (يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) [آل عمران : ٥٥] فهو يبشره بإنجائه من مكرهم ورد كيدهم في نحورهم وأنه سيستوفي أجله حتى يموت حتف أنفه من غير قتل ولا صلب ، ثم يرفعه الله إليه.
وهذا هو ما يفهمه القارئ للآيات الواردة في شأن نهاية عيسى مع قومه متى وقف على سنّة الله مع أنبيائه حين يتألب عليهم خصومهم ، ومتى خلا ذهنه من تلك الروايات التي لا ينبغي أن تحكم في القرآن ، ولست أدري كيف يكون إنقاذ عيسى بطريق انتزاعه من بينهم ورفعه بجسده إلى السماء مكرا؟ وكيف يوصف بأنه خير من مكرهم مع أنه شيء ليس في استطاعتهم أن يقاوموه ، شيء ليس في قدرة البشر.
ألا إنه لا يتحقق مكر في مقابلة مكر إلا إذا كان جاريا على أسلوبه ، غير خارج عن مقتضى العادة فيه. وقد جاء مثل هذا في شأن محمد صلىاللهعليهوسلم : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (٣٠)) [الأنفال : ٣٠].
رفع عيسى ليس عقيدة يكفر منكرها :
والخلاصة من هذا البحث :
١ ـ أنه ليس في القرآن الكريم ولا في السنّة المطهرة مستند يصلح لتكوين عقيدة يطمئن إليها القلب بأن عيسى رفع بجسمه إلى السماء وأنه حي إلى الآن فيها وأنه سينزل منها آخر الزمان إلى الأرض.
٢ ـ أن كل ما تفيده الآيات الواردة في هذا الشأن هو وعد الله عيسى بأنه متوفّيه أجله ورافعه إليه وعاصمه من الذين كفروا ، وأن هذا الوعد قد تحقق فلم يقتله أعداؤه ولم يصلبوه ولكن وفاه الله أجله ورفعه إليه.
٣ ـ أن من أنكر أنّ عيسى قد رفع بجسمه إلى السماء وأنه فيها حي إلى الآن وأنه سينزل منها آخر الزمان فإنه لا يكون بذلك منكرا لما ثبت بدليل قطعي ، فلا يخرج عن إسلامه وإيمانه ولا ينبغي أن يحكم عليه بالردة ، بل هو مسلم مؤمن ، إذا مات فهو من المؤمنين يصلّى عليه كما يصلّى على المؤمنين ويدفن في مقابر المؤمنين ، ولا شية في إيمانه عند الله والله بعباده خبير بصير.