فإن قيل : فما معنى قوله تعالى : (ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ) [غافر : ١٨] قلنا : معناه فالظلم بالشرك والكفر الذي لا ينفع معه طاعة ، كما قال تعالى : (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [لقمان : ١٣] ولهذا لما نزل قوله تعالى : (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ) [الأنعام : ٨٢] حزن الصحابة رضي الله عنهم كذلك ، حتى قال الصديق رضي الله عنه وأرضاه : يا رسول الله : وأينا لم يلبس إيمانه بظلم؟ فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «ليس هذا يا أبا بكر ، إنما الظلم الشرك هاهنا ، ألا ترى إلى قول لقمان : (يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [لقمان : ١٣]» فدلّ أن لا شفاعة تنفع الكافر. ولا حميم يدفع عنه ، والمؤمن بخلاف ذلك بحمد الله وإن كانت له سيئات. فاعلم ذلك.
فإن قيل : فما معنى قوله تعالى : (لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (٧٥)) [الزّخرف : ٧٥](وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها) [فاطر : ٣٦] وقوله : (كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ) [النّساء : ٥٦] وقوله تعالى : (فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ (٤٨)) [المدّثر : ٤٨].
فالجواب : أن نقول : أنتم وإخوانكم من الخوارج دأبكم أبدا أن تجعلوا آيات العذاب في أهل الإيمان والتوحيد ، وهي لأهل الكفر والضلال دون المؤمنين بحمد الله تعالى ؛ وهذه الآيات كلها في أهل الكفر ، والذي يدل على صحة هذا ما قدمنا من الأخبار الصحاح : «من قال لا إله إلا الله دخل الجنة» وغير ذلك من الأخبار الصحاح.
وأيضا فإن القرآن نطق بذلك فإنه قال في أول هذه الآية : (ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (٤٢) قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (٤٣) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (٤٤) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ (٤٥) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (٤٦) حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ (٤٧) فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ (٤٨)) [المدّثّر : ٤٢ ـ ٤٨] فصحّ أن لا شفاعة لهم لأجل كفرهم ، وصارت في النار ، وجدا لهم لأجل كفرهم وصارت الآية إلى آخرة حجة عليهم ، إلا أن الله تعالى أخبر أن ثم شفاعة ، وأنتم تقولون أن لا شفاعة ؛ غير أنه تعالى أخبر أنها لا تنفع للكافرين ، فدلّ على أنها تنفع المؤمنين.
فإن قيل : ما تقولون فيمن حلف بالطلاق الثلاث أنه يفعل فعلا ينال به شفاعة الرسول عليهالسلام ، ويستحق به شفاعة الرسول ، أو قال : أفعل فعلا يجوز أن يشفع لي فيه الرسول مما أستحق من العقاب بما ذا تأمرونه؟ أتأمرونه بالمعصية أم بالطاعة؟ قلنا : الجواب من وجهين :