داره» يوهم مكانا وإنما المعنى في داره التي دورها لأوليائه(١) ؛ وقد قال القاضي (أبو يعلى) في كتابه المعتمد: إن اللّه عزج وجل لا يوصف بالمكان.
ومن الآيات قوله تعالى: (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمٰاءِ) [الملك: ١٦](٢). قد ثبت قطعا أن الآية ليست على ظاهرها لأن لفظة (في) للظرفية، والحق سبحانه وتعالى غير مظروف وإذا منع الحس أن ينصرف إلى مثل هذا بقي وصف العظيم بما هو عظيم عند الخلق.
ومنها قوله تعالى: (يٰحَسْرَتىٰ عَلىٰ مٰا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللّٰهِ) [الزّمر: ٥٦] (٣). أي في طاعته وأمره لأن التفريط لا يقع إلا في ذاته وأما الجنب المعهود من ذي الجوارح فلا يقع فيه تفريط.
__________________
(١) زاد البيهقي في كتابه الأسماء والصفات: (وهي الجنة).
(٢) قال الفخر الرازي في تفسير هذه الآية: إن هذه الآية لا يمكن إجراؤها على ظاهرها باتفاق المسلمين لأن كونه في السماء يقتضي كون السماء محيطا به من جميع الجوانب فيكون أصغر من السماء والسماء أصغر من العرش بكثير فيلزم أن يكون اللّه تعالى شيئا حقيرا بالنسبة إلى العرش، وذلك باتفاق أهل الإسلام محال. وقال الزمخشري ووافقه الفخر: (من في السماء) في وجهان أحدهما من ملكوته في السماء لأنها مسكن ملائكته وثم عرشه وكرسيه واللوح المحفوظ ومنها تنزل قضاياه وكتبه وأوامره ونواهيه، والثاني أنهم كانوا يعتقدون التشبيه وأنه في السماء وأن الرحمة والعذاب ينزلان منه وكانوا يدعونه من جهتها فقيل لهم على حسب اعتقادهم: أأمنتم من تزعمون أنه في السماء وهو متعال عن المكان أن يعذبكم بخسف أو بحاصب كما تقول لبعض المشبهة: أما تخاف من فوق العرش أن يعاقبك بما تفعل إذا رأيته يركب بعض المعاصي، وقال الرازي أيضا: والغرض من ذكر السماء تفخيم سلطان اللّه وتعظيم قدرته كما قال: (وَهُوَ اللّٰهُ فِي السَّمٰاوٰاتِ وَفِي الْأَرْضِ) [الأنعام: ٣] فإن الشيء الواحد لا يكون دفعة واحدة في مكانين، وقال أيضا: لم لا يجوز أن يكون المراد بقوله (من في السماء) هو الملك الموكل بالعذاب وهو جبريل عليه السلام (ز).
(٣) يقول الزمخشري في كشافه: والجنب الجانب، يقال: أنا في جنب فلان وجانبه وناحيته وفلان لين الجنب والجانب، ثم قالوا: فرط في جنبه وفي جانبه يريدون في حقه، قال سابق البربري:
أما تتقين اللّه في جنب وامق |
|
له كبد حرّى عليك تقطع |
وقال السيد محمود الآلوسي في تفسيره (روح المعاني): وبالجملة لا يمكن إبقاء الكلام على حقيقته لتنزهه عزّ وجل من الجنب بالمعنى الحقيقي، ولم أقف على عد أحد من السلف إياه من الصفات السمعية، ولا أعوّل على ما في المواقف، وعلى فرض العد كلامهم فيها شهير وكلهم مجمعون على التنزيه وسبحان من ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وفي حرف عبد اللّه وحفصة (في ذكر اللّه) ه. وقال العلامة القاسمي في تفسيرها: أي في جانب أمره ونهيه إذ لم أتبع أحسن ما أنزل.