وقال ابن حامد: نؤمن بأن للّه سبحانه وتعالى جنبا بهذه الآية.
فوا عجبا من عدم العقول، إذا لم يتهيأ التفريط في جنب مخلوق فكيف يتهيأ في صفة الخالق جلّ جلاله، وأنشد ثعلبة:
«خليليّ كفا واذكرا اللّه في جنبي» أي في أمري.
ومنها قوله تعالى: (فَنَفَخْنٰا فِيهِ مِنْ رُوحِنٰا) [التّحريم: ١٢](١). قال المفسرون: أي من رحمتنا، وإنما نسب الروح إليه لأنه بأمره كان.
ومنها قوله تعالى: (يُؤْذُونَ اللّٰهَ) [الأحزاب: ٥٧] (٢). أي يؤذون أولياءه كقوله تعالى: (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) [يوسف: ٨٢] أي أهلها. وقال صلى اللّه عليه وسلم: «أحد جبل يحبنا ونحبه» وقال الشاعر:
أنبئت أن النار بعدل أوقدت |
|
واستبّ بعدك يا كليب المجلس |
ومنها قوله تعالى: (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاّٰ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللّٰهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمٰامِ) [البقرة: ٢١٠] (٣). أي بظلل وكذلك قوله تعالى: (وَجٰاءَ رَبُّكَ) [الفجر: ٢٢] ذكر القاضي
__________________
(١) قال الشهاب الآلوسي: (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) [الحجر: ٢٩] تمثيل لإفاضة ما به الحياة بالفعل على المادة القابلة لها فليس ثمة نفخ ولا منفوخ، أي فإذا أكملت استعداده وأفضت عليه ما يحيا به من الروح الظاهرة التي هي أمري.
(٢) قال الآلوسي: (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللّٰهَ وَرَسُولَهُ) [الأحزاب: ٥٧] أريد بالإيذاء إما ارتكاب ما لا يرضيانه من الكفر وكبائر المعاصي مجازا لأنه سبب أو لازم له، وإن كان ذلك بالنظر إليه تعالى بالنسبة إلى غيره سبحانه فإنه كاف في العلاقة، وقيل في إيذائه تعالى هو قول اليهود والنصارى والمشركين: يد اللّه مغلولة، والمسيح ابن اللّه، والملائكة بنات اللّه، والأصنام شركاؤه، تعالى اللّه عن ذلك علوا كبيرا.
(٣) ومما قاله جار اللّه الزمخشري: ويجوز أن يكون المأتي به محذوفا بمعنى أن يأتيهم اللّه ببأسه أو بنقمته للدلالة عليه بقوله: (فإن اللّه عزيز)، فإن قلت: لم يأتيهم العذاب في الغمام؟ قلت: لأن الغمام مظنة الرحمة فإذا نزل منه العذاب كان الأمر أفظع وأهول لأن الشر إذا جاء من حيث لا يحتسب كان أغم كما أن الخير إذا جاء من حيث لا يحتسب كان أسرّ، فكيف إذا جاء الشر من حيث يحتسب الخير، ولذلك كانت الصاعقة من العذاب المستفظع لمجيئها من حيث يتوقع الغيث، ومن ثمة اشتد على المتفكرين في كتاب اللّه قوله تعالى: (وَبَدٰا لَهُمْ مِنَ اللّٰهِ مٰا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ) [الزّمر: ٤٧] اه وساق الفخر الرازي في هذا المعنى فصلا مشبعا ـ شأنه في تفسير آيات الصفات ـ إلى أن قال: إن قوله: (يَأْتِيَهُمُ اللّٰهُ) [البقرة: ٢١٠] وقوله: (وَجٰاءَ رَبُّكَ) [الفجر: ٢٢] إخبار عن حال القيامة، ثم ذكر هذه الواقعة بعينها في سورة النحل فقال: (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاّٰ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلاٰئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ) [النّحل: ٣٣] فصار هذا المحكم مفسرا لذلك