عيسى قد توفي لأجله ، وأن الله رفع مكانته حين عصمه منهم ، وصانه وطهّره من مكرهم. ولسنا في حاجة إلى أن نعيد شيئا مما ذكرناه (١).
النوع الثاني : آيات ما كان ليخطر بالبال أن لها صلة بموضوع البحث ، فلذا لم نفكر فيها ، وحسبنا الآن أن نمثل لهذا النوع بما قال أحدهم :
«ولك أن تضم إلى ما ذكرناه قوله تعالى عنه عليهالسلام : (وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) [آل عمران : ٤٥]. ففي قوله : (وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) إشارة إلى رفعه إلى محل الملائكة المقربين».
والشيخ يريد السماء طبعا ، وهو لي للكتاب غريب ، فقد وردت كلمة «المقربين» في غير موضع من القرآن الكريم : (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (١٠) أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (١١)) [الواقعة : ١٠ ، ١١] ، (فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٨٨) فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ (٨٩)) [الواقعة : ٨٨ ، ٨٩] ، (عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ (٢٨)) [المطفّفين : ٢٨] ، وإذن فليس عيسى وحده هو الذي يعيش بجسمه في السماء ، بل معه أفواج من عباد الله يعيشون فيها ويزداد عددهم يوما بعد يوم. وهكذا فليكن المنطق!
ثم يقول : «بل في قوله تعالى : (وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) [آل عمران : ٤٥] إشارة إلى ذلك ، لأن الوجيه بمعنى ذي الجاه ، ولا أدل على كونه ذا جاه في الدنيا من رفعه إلى السماء».
__________________
(١) غير أنهم تمسكوا بقوله تعالى : (بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ) [النّساء : ١٥٨] بعد قوله : (وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً) [النّساء : ١٥٧] فقالوا : إن الرفع بعد نفي القتل هو رفع الجسم حتما ، وإلا لما تحققت المنافاة بين ما قبل «بل» وما بعدها ، ونحن نقول لهم إن المنافاة متحققة ، لأن الغرض من الرفع رفع المكانة والدرجة بالحيلولة بينهم وبين الإيقاع به كما يريدون. والمعنى : أن الله عصمه منهم فلم يمكنهم من قتله بل أحبط مكرهم وأنقذه وتوفاه لأجله فرفع بذلك مكانته. وقد قلنا في الفتوى : إن الآية بهذا تتفق تماما مع ظاهر قوله تعالى : (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) [آل عمران : ٥٥] وهذا احتمال قوي في الآية يمنع الزعم بأنها نص أو ظاهر في رفعه بجسمه حيا. ويقول الإمام الرازي في تفسيره : «ومطهرك : مخرجك من بينهم ومفرق بينك وبينهم. وكما عظم شأنه بلفظ الرفع إليه أخبر عن معنى التخليص بلفظ التطهير ، وكل ذلك يدل على المبالغة في إعلاء شأنه وتعظيم منزلته». ويقول في معنى قوله تعالى : (وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا) [آل عمران : ٥٥] القول الثاني المراد من هذه الفوقية الفوقية بالحجة والبرهان» ثم يقول : واعلم أن هذه الآية تدل على أن رفعه في قوله : (وَرافِعُكَ إِلَيَ) [آل عمران : ٥٥] هو رفع الدرجة والمنقبة لا بالمكان والجهة ، كما أن الفوقية في هذه الآية ليست بالمكان بل بالدرجة والرفعة» اه.