١ ـ أن ابن جرير يذكر احتمالين في الآية ، ويذكر الآثار الدالة لكل منهما ويصل بالرأي الثاني إلى ابن عباس ومجاهد وغيرهما ، فكيف يعد نصا قاطعا غير محتمل لأكثر من معنى ما خالف فيه ابن عباس ومجاهد وغيرهما؟
٢ ـ أن ابن جرير كما وجه الرأي الذي اختاره وجه الرأي الثاني أيضا «بأن كل من نزل به الموت لم تخرج نفسه حتى يتبين له الحق من الباطل في دينه» وهذا فيما أرى هو الذي جعل ابن جرير يقتصد في التعبير عن ترجيح ما اختاره فيقول : «وأولى الأقوال» بدل أن يقول مثلا : والرأي الصحيح.
٣ ـ إن يكن ابن جرير قد رجح أحد المعنيين فقد رجح غيره من العلماء المعنى الآخر ومنهم الإمامان : النووي والزمخشري وغيرهما. قال ابن حجر في فتح الباري :
«ورجح جماعة هذا المذهب ـ يريد الثاني ـ بقراءة أبي بن كعب : «إلا ليؤمننّ به قبل موتهم» أي أهل الكتاب ، قال النووي : معنى الآية على هذا ليس من أهل الكتاب أحد يحضره الموت إلا آمن عند المعاينة قبل خروج روحه بعيسى وأنه عبد الله وابن أمته ، ولكن لا ينفعه هذا الإيمان في تلك الحالة كما قال تعالى : (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ) [النّساء : ١٨] ثم قال : وهذا المذهب أظهر ، لأن الأول يخص الكتابي الذي يدرك نزول عيسى ، وظاهر القرآن عمومه في كل كتابي في زمن نزول عيسى وقبله».
وقد ذكر صاحب الكشاف قريبا من هذا وأطال فيه ونقله عنه الإمام الرازي في تفسيره فليرجع إليهما من شاء.
بهذا يتبين :
١ ـ أن هذه الآية ليست نصّا في معنى واحد حتى تكون دليلا قاطعا فيه.
٢ ـ أن ما تمسك به ابن جرير في ترجيحه للرأي الأول غير مسلم له ، فقد بناه على أن المراد بالإيمان في الآية هو الإيمان المعتبر الذي ينفع صاحبه وتترتب عليه الأحكام ، مع أنه إيمان ـ كما قرره العلماء ، ومنهم ابن جرير نفسه ـ لا يعتد به ولا يقام له وزن ولا تترتب عليه أحكام لأنه إيمان جاء في غير وقته.
٣ ـ أن من ينظر فيما تمسك به أصحاب المذهب الثاني : من العموم الواضح في قوله : (وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) [آل عمران : ١٩٩] ومن قراءة أبي «إلا ليؤمنن به قبل موتهم» ومن أن إيمان المعاينة لا ينفع صاحبه عند الجميع ، لا يسعه إلا أن