يخالف ابن جرير فيما ذهب إليه وأن يقول مع النووي عن المذهب الثاني : «وهذا المذهب أظهر».
والنتيجة الحتمية لهذا كله أن الآية ليست ظاهرة فيما يقتضي نزول عيسى فضلا عن أن تكون قاطعة فيه!
الآية الثانية :
للمفسرين في هذه الآية أيضا آراء مختلفة ، ومن هذه الآراء أن الضمير في قوله تعالى : (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ) [الزّخرف : ٦١] راجع إلى محمد صلىاللهعليهوسلم أو إلى القرآن ، ولكننا نستبعد هذا ونرى أن الضمير راجع إلى عيسى كما يراه كثير من المفسرين ، وذلك لأن الحديث في الآيات السابقة كان عن عيسى. ومع ذلك نجد خلافا آخر يصوّره لنا بعض المفسرين بقوله : (وَإِنَّهُ) [البقرة : ١٣٠] أي عيسى (لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ) [الزّخرف : ٦١] أي إنه بنزوله شرط من أشراطها ، أو بحدوثه بغير أب ، أو بإحيائه الموتى دليل على صحة البعث» (١).
ومن ذلك يتبين أن في توجيه كون عيسى علما للساعة ثلاثة أقوال :
الأول : أنه بنزوله آخر الزمان علامة من علامات الساعة.
الثاني : أنه بحدوثه من غير أب دليل على إمكان الساعة.
الثالث : أنه بإحيائه الموتى دليل على إمكان البعث والنشور.
ولقد كان في احتمال الآية لهذه المعاني التي يقررها المفسرون كفاية في أنها ليست نصا قاطعا في نزول عيسى ، ولكننا لا نكتفي بهذا بل نرجح القول الثاني (وهو أن عيسى بحدوثه من غير أب دليل على إمكان الساعة) معتمدين في هذا الترجيح على ما يأتي :
١ ـ أن الكلام مسوق لأهل مكة الذين ينكرون البعث ويعجبون من حديثه ، وقد عنى القرآن الكريم في كثير من آياته وسوره بالرد عليهم ، واقتلاع الشك من قلوبهم. وطريقته في ذلك أن يلفت أنظارهم إلى الأشياء التي يشاهدونها فعلا أو يؤمنون بها (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ) [الحجّ : ٥] ، (وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ) [الحجّ : ٥] ، (فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ)
__________________
(١) تفسير أبي السعود.