(اللهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ ذلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتى) [الرّوم : ٥٠] وقد عرضت سورة الزخرف التي وردت فيها هذه الآية إلى هذا المعنى في أولها : (وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ تُخْرَجُونَ (١١)) [الزّخرف : ١١].
وهذه هي الطريقة المستقيمة المنتجة في الاستدلال المقتلعة للشك. أما أن يلفت أنظارهم إلى أشياء يخبرهم هو بها كنزول عيسى ، وهي أيضا في موضع الشك عندهم ، ويطلب منهم أن يقتلعوا بهذه الأشياء ما في قلوبهم من شك فذلك طريق غير مستقيم ، لأنه استدلال على شيء في موضع الإنكار بشيء هو كذلك في موضع الإنكار!
٢ ـ ومما يؤيد هذا قول الله تعالى تفريعا على أن عيسى علم للساعة : (فَلا تَمْتَرُنَّ بِها) [الزّخرف : ٦١] فإنه يدل على أن الكلام مع قوم يشكون في نفس الساعة ، والعلامة إنما تكون لمن آمن بها وصدق أنها آتية لا ريب فيها ، أما الذي ينكر وقوعها أو يشك فيها فهو ليس بحاجة إلى أن يتحدث معه عن علامتها ، بل لا يصح أن يتحدث في ذلك معه ، وإنما هو بحاجة إلى دليل يحمله على الإيمان بها أولا ليمكن أن يقال له بعد ذلك : هذا الذي آمنت به علامته كذا.
٣ ـ ثم إنه من الأصول المقررة في فهم أساليب اللغة العربية أن الحكم إذا أسند في اللفظ إلى الذات ، ولم تصح إرادتها معنى ، قدر في الكلام ما كان أقرب إلى الذات وأشد اتصالا بها. فإذا طبّقنا هذه القاعدة على قوله تعالى : (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ) [الزّخرف : ٦١] وعلمنا أن ذات عيسى من حيث هي لا يصح أن تكون مرادة هنا ، وأنه لا بد من تقدير في الكلام ، ثم وازنا بين النزول ، والخلق من غير أب ، وإحياء الموتى ، فلا شك أننا نجد الخلق من غير أب أقرب هذه الثلاثة إلى الذات ، لأنه راجع إلى إنشائه وتكوينه لا إلى شيء عارض له ، وحينئذ يتعين الحمل عليه ويكون معنى الآية الكريمة : (لا تشكّوا في الساعة ، فإن الذي قدر على خلق عيسى عن غير أب قادر عليها).
وبهذا يتبين :
أولا : أن الإخبار بنزول عيسى لا يصلح دليلا على الساعة يقتلع به ما في نفوس المنكرين لها من شك ويصح أن يقال عقبه : (فَلا تَمْتَرُنَّ بِها) [الزّخرف : ٦١].