وثانيا : أن جعل عيسى بنزوله آخر الزمان علامة من علامات الساعة لا يستقيم هنا ، لأن الحديث مع قوم منكرين للساعة فهم بحاجة إلى دليل عليها ، لا مع قوم مؤمنين بها حتى تذكر لهم علاماتها.
وثالثا : أن أقرب ما تحمل عليه الآية هو المعنى الثاني الذي بيّنّا.
* * *
أما بعد فهذه هي الآيات التي أوردوها في شأن عيسى من رفعه أو نزوله. ولا شك أن القارئ المنصف بعد عرضها على هذا النحو وتطبيقها على المبادئ التي ذكرنا لا يخامره شك في أنه (ليس في القرآن الكريم ما يفيد بظاهره غلبة ظن بنزول عيسى أو رفعه فضلا عما يفيد القطع الذي يكوّن العقيدة ، ويكفّر منكره كما يزعمون).
النظرة الثانية في الأحاديث :
والنظرة الثانية فيما ساقوا من أحاديث :
وموجز ما نقول فيها : أنها لا تخرج عن كونها أحاديث آحاد ، وأحاديث الآحاد مهما صحت لا تفيد يقينا يثبت عقيدة يكفر منكرها.
وإنه ليؤسفني أن أرى قوما تظاهروا بالانتساب إلى الدين والغيرة على أحاديث الرسول استباحوا لأنفسهم ـ في سبيل أغراضهم الدّنيا ـ أن يصطنعوا كل أساليب التلبيس والتمويه في شأن أحاديث عيسى التي لا يمكن أن يكون منها متواتر حتى على أوسع الآراء في تحققه ، وهي مع آحاديتها يكثر ويشتد في معظمها ضعف الرواة واضطراب المتون ونكارة المعاني ، فتراهم يقولون هي متواترة قد رواها فلان وفلان من الصحابة والتابعين ، وذكرت في كتاب كذا وكتاب كذا من كتب المتقدمين ، فإذا رأوا في بعضها ضعفا أو اضطرابا أو نكارة حاولوا التخلص من ذلك فقالوا : إن الضعيف فيها منجبر بالقوي ، وإن العدالة لا تشترط في رواة المتواتر. وهكذا يخلعون عليها ثوبا مهلهلا من القداسة لا رغبة في علم ولا غيرة على حق ، ولكن مكابرة وعنادا ، وإصرارا على التضليل ، وليقال على ألسنة العامة وأشباه العامة إنهم حفّاظ وإنهم محدثون!
* * *