الرجل ذكر ذلك في الكتاب الفلاني وليس لذلك الكتاب حقيقة وإنما قصده بذلك انفضاض المجلس ويؤكد قوله بأن يقول ما يبعد أن هذا الكتاب عند فلان ويسمي شخصا بعيد المسافة كل ذلك خديعة ومكر وتلبيس لأجل خلاص نفسه (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ) [فاطر : ٤٣] ولهذا لم يزل فيهم التعازير والضرب بالسياط والحبوس وقطع الأعناق مع تكتمهم ما يعتقدونه والمبالغة في التكتم حتى إنهم لا ينطقون بشيء من عقائدهم الخبيثة إلا في الأماكن الخفية بعد التحرز وغلق الأبواب والنطق بما هم عليه بالمخافتة ويقولون إن للحيطان آذانا ، ومن جملة مكرهم وتحيلهم أن الكبير منهم المشار إليه في هذه الخبائث له أتباع يظهرون له العلم والعظمة والتعبد والتعفف يخدعون بذلك أرباب الأموال لا سيما الغرباء فيدفع ذلك الغريب أو غيره إلى ذلك الشيخ شيئا فيأبى ويظهر التعفف فيزداد ذلك الرجل حرصا على الدفع فلا يأخذ منه إلا بعد جهد فيأخذها ذلك الخبيث ولا عليه من اطلاع الله تعالى على خبث طويته ويدفع بعضها إلى أتباعه وإلى غيرهم ويتمتع هو وخواصه بالباقي ولهم يد وقدرة على ذلك ، ومن جملة مكرهم من هذا النوع أن يكسو عشرة مساكين قمصانا أو غيرها ثم يقولون انظروا هذا الرجل كيف يجيئه الفتوح فيؤثركم بها وغيركم ويترك نفسه وعياله وأصدقاءه وهكذا كان السلف ويكون قد أخذ أضعاف ما دفع وكثير من الناس في غفلة من هذا ولو لا أن ذلك من جملة النصيحة لما ذكرته ولما تعرضت له وكان ما في نفسي شاغلا عن ذلك إلا أنه كما قال ابن عباس رضي الله عنهما بسبب نجدة الحروري المبتدع (لو لا أن أكتم علما لما كتبت إليه) يعني جواب ما كتب إليه بأن يعلمه مسائل والقصة مشهورة حتى في صحيح مسلم.
وقال عليه الصلاة والسلام : «من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار» رواه غير واحد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه منهم أبو داود وكذا الترمذي وحسنه والحاكم وصححه.
ثم إن كان المال المدفوع زكاة فلا تبرأ الذمة بدفعه إليهم لأنهم ليسوا من أهلها فليتنبه لذلك فإنه قد يخفي مع ظهوره وقد تشكك في ذلك وتلاعب الشيطان به فلنأخذ بجانب الاحتياط منه فإنه طريق السلامة والله أعلم.
واعلم أني لو أردت أن أذكر ما هم عليه من التلبيسات والخديعة والمكر لكان لي في ذلك مزيد وكثرة ، وفيما ذكرته أنموذج ينبه بعضه على غيره لا بما لمن له أدنى فراسة وحسن نظر بموارد الشرع ومصادره التي أشار إليها رسول الله صلىاللهعليهوسلم وبعضها صرح به تصريحا ظاهرا لا يخفى إلا على أكمه لا يعرف القمر.