وبعد أن اعترف هكذا بأنه غير عالم ، كيف يزجّ نفسه في مضايق البحوث العلمية؟ أم كيف يبيح لنفسه أن يحكم على أناس بأنهم جهلة؟!! وليس الحكم على أناس بأنهم جهلة من شأن الجاهل ، والجاهل إنما يعلم جهله العالم ، بيد أنّ الجاهل جهلا مكعّبا ـ بجهله للشيء ، وبجهله لجهله له ، وبحسبانه مع ذلك أنه يعلمه فوق علم كل عالم ـ لا يتحاشى عن تجهيل الأمة بأسرها من صدر الإسلام إلى اليوم ، في مسألة أجمعت الأمّة عليها ، وشذّ هو فيها عن جماعة أهل الحق.
وأما إن كان العالم في نظره هو من يستلهم الفقه من (لاهاي) ، ويستوحي العقيدة من (لاهور) (١) ، فلتلك المجلات والصحف كلّ الفخر إذا لم تقع عليها عين مثل هذا العالم.
وقد أنطقه الله في مفتتح مقاله آية تنطبق كلّ الانطباق على شخص الشاذّ نفسه ، لو فكّر وتدبّر.
الصحابة والتابعون وأئمة الفقه والحديث والتفسير والتوحيد كلّهم في جانب ، يؤيّدهم الكتاب والسنة والإجماع ، وذلك المتحامل في جانب يعضده متنبئ المغول في (قاديان) ، وفيلسوف (طرة) في سابق الأزمان!! منظر ما أروعه!! ومع ذلك كله يعدّ نفسه هو المحقّ التقيّ النقيّ الصالح الورع الوديع الحكيم ، ويفرض أنّ جماعة علماء المسلمين على توالي القرون هم المبطلون المتنطعون الحشوية!! فاعجب أن يتحدّث مثله عن الحجة والبرهان ، وقد داس تحت رجليه معايير العلم وموازين الفهم!! فسبحان قاسم المواهب.
فيجب أن يعلم أنّ إحالة من أحال المسألة عليه ـ كما فعل مثل ذلك في حمله على التجرؤ على السّنّة ـ لا تبرّر موقفه من حجج الشرع في نزول عيسى عليهالسلام ، فها نحن أولاء نتعقّبه بإذن الله سبحانه خطوة فخطوة ، في جميع ما يبدئ ويعيد ، من انحرافاته عن الجادة ، ونريه بتوفيق الله وتسديده ما دام للحق سلطان ، كيف يكون زهوق الباطل تحت قوارع الحجج؟ إلى أن يقتنع بالحق.
رجل يقول : إنّ الشيطان ليس بكائن حيّ عاقل ، بل هو قوّة الشرّ المنبثّة في العالم! ـ كما هو رأي الباطنية ـ ويقسم السّنّة إلى أقسام ، تمهيدا للانسلاخ من معظمها بل كلّها ، تقرّبا إلى اللاهورية نفاة السنة ، ويستسهل إلغاء فريضة الظهر لمن صلّى العيد
__________________
(١) يعني بلد القادياني ، الذي جاءت فتوى الشيخ شلتوت على وفق دعواه!