هذا الذي ـ والله (١) ـ وصانا به أشياخنا فرجعت عن سفري وقلت لصاحبي : عطّل ركابك ما ثمّ شيء غير ذي الأكوان ، لو كان للأكوان رب خالق كان المجسم صاحب البرهان أو كان رب بائن عن ذا الورى ، كان المجسم صاحب الإيمان. فدع التكاليف واخلع عذارك ما ثم فوق العرش من رب ، ولم يتكلم الرّحمن بالقرآن لو كان فوق العرش رب لزم التحيز ولو كان القرآن عين كلامه حرفا وصوتا (٢) كان ذا جثمان ، فإذا
__________________
(١) ثم انظر كيف يحلف كذبا على هذه المحاورة الخيالية فهل يتصور أن يصدر منه مثل ذلك لو كان يخاف مقام ربه في ذلك اليوم الرهيب ، وسيأتي ما يقضي على مزاعمه في استقرار معبوده على العرش ـ جلّ إله المسلمين عن مثل هذه الوثنية ـ كما سيأتي القضاء على مزاعمه في الحرف والصوت قضاء لا نهوض لها بعده إن شاء الله تعالى.
(٢) واعتقاد الصوت في كلام الله خطر جدا ، وكان الإمام عز الدين بن عبد السلام ابتلي بالمبتدعة الصوتية في عهد الملك الأشرف موسى ابن الملك العادل الأيوبي ، وكان الملك الأشرف هذا يميل إليهم ويعتقد فيهم أنهم على صواب حيث كان يخالطهم منذ صغره حتى منع العز المذكور من الإفتاء بسبب هذه المسألة كما هو مشروح ، مفصّل في مطلب الأديب لأبي بكر بن علي الحسيني السيوطي ، وفي طبقات التاج ابن السبكي وطبقات التقي التميمي ، وفي خلاصة الكلام في مسألة الكلام للشيخ محمد عبد اللطيف بن العز المذكور ـ وقد نقلت الرسالة الأخيرة من خط المؤلف ـ واستمر منعه من الإفتاء إلى أن ركب الإمام الكبير جمال الدين الحصيري ـ شارح الجامع الكبير ، وشيخ الفقهاء في عصره ـ وتوجه إلى الملك الأشرف وأفهمه أن الحق مع العز وقال له إن ما في فتياه هو اعتقاد المسلمين وكل ما فيها صحيح ومن خالف ذلك فهو حمار. وكان الجمال الحصيري عظيم المنزلة عند الملك لجلالة قدره عند جماهير أهل العلم ، فأطلق الإفتاء للعز ومنع الصوتية من مزاعم الحرف والصوت في كلام الله سبحانه.
فتاوى في الرد على القائلين بالحرف والصوت
وأرى من النصح للمسلمين أن أنقل هنا أجوبة الإمام العز بن عبد السلام والإمام جمال الدين أبي عمرو عثمان بن الحاجب المالكي ، والإمام علم الدين أبي الحسن علي بن محمد السخاوي مؤلف «جمال القراء وكمال الإقراء» حينما استفتوا في هذه المسألة. ومكانتهم السامية في العلم معروفة.
ونص السؤال والأجوبة كما هو مدوّن في «نجم المهتدي ورجم المعتدي» للفخر بن المعلم القرشي ، كالآتي :
صورة السؤال : ما يقول السادة الفقهاء رضي الله عنهم في كلام الله القديم القائم بذاته؟ هل يجوز أن يقال إنه عين صوت القارئ وحروفه المقطعة ، وعين الأشكال التي يصورها الكاتب في المصحف؟ وهل يجوز أن يقال إن كلام الله القديم القائم بذاته حروف وأصوات على المعنى الظاهر فيها وإنه عين ما جعله الله معجزة لرسوله صلىاللهعليهوسلم؟ وما الذي يجب على من اعتقد جميع ذلك وأذاعه وغربه ضعفاء المسلمين وهل يحل للعلماء المعتبرين إذا علموا أن ذلك قد ـ