مجسمة (١) فلا تسمع ترابهم والعنهم واحكم بسفك دمائهم فهم أضل من اليهود والنصارى ، واحذر تجادلهم ب «قال الله وقال الرسول» وهم أولى به ، فإذا ابتليت بهم فغالطهم على التأويل للأخبار والقرآن ، وعلى التكذيب للآحاد.
هذان أصلان أوصى بهما أشياخنا أشياخهم ، وإذا اجتمعت بهم في مجلس فابدأ بإيراد وشغل زمان لا يملكوه عليك بالآثار وتفسير القرآن ، فإن وافقت صرت مثلهم ، وإن عارضت صرت زنديقا كافرا ، وإن سكت يقال جاهل ، فابدأ ولو بالفشر والهذيان
__________________
ـ مجالا للكلام ، بمثل هذه المخازي ، كأنه وشيخه كانا يحاولان القضاء على البقية الباقية من الإسلام ، ومن علوم الإسلام ، إتماما لما لم يتم بأيدي المغول ، لكنهما قضيا على أنفسهما ومداركهما قبل أن يقضيا على السنة باسم السنة وعلى عقول الناس باسم النظر عاملهما الله سبحانه بعدله.
(١) يسعى الناظم بكل قواه في تهوين أمر التجسيم أسوة بشيخه ، لكن القائلين بقدم الجسم طائفتان ليس بين طوائف البشر أسخف أحلاما من كلتا الطائفتين. إحداهما الطبيعيون وقد تسمى الملاحدة والزنادقة والدهرية والمعطلة وهم القائلون بنفي الصانع ، وهم كما يقول المطهر المقدسي أقل الناس عددا وأفيلهم رأيا ، وأشرهم حالا وأوضعهم منزلة ، يقولون بقدم أعيان العالم والأجسام وتولد النبات والحيوان من الطبائع باختلاف الأزمنة والثانية المجسمة وقد تسمى الحشوية والمشبهة على اختلاف بينهم فيما يختلقونه في الله من السخافات والحماقات ، تعالى الله عما يصفون ، وهم مشاركون لهؤلاء في القول بجسم قديم قدما ذاتيا إلا أنهم يؤلهونه ويتعبدونه بخلاف هؤلاء ، سواء أطلقوا لفظ الجسم عليه أم لم يطلقوا بعد أن قالوا بمعنى الجسم الشاغل للفراغ ، الذاهب في الجهات ، حيث خاضوا في ذات الله سبحانه بعقولهم الضئيلة التي تعجز عن اكتناه ذوات المخلوقات وإنما علمهم بالمخلوقات عبارة عما تخيلوه بشأنها من إحساسهم بأغراضها ، فكيف يجترءون على تخيل الحوم حول حمى الخالق جلّ وعلا.
قال ابن تيمية في التأسيس في رد أساس التقديس المحفوظ في ظاهرية دمشق في ضمن المجلد رقم ٢٥ من الكواكب الدراري ، وهذا الكتاب مخبأة ووكر لكتبهم في التجسيم وقد بينت ذلك فيما علقته على المصعد الأحمد (ص ٣١) : «فمن المعلوم أن الكتاب والسنة والإجماع لم ينطق بأن الأجسام كلها محدثة وأن الله ليس بجسم ولا قال ذلك إمام من أئمة المسلمين فليس في تركي لهذا القول خروج عن الفطرة ولا عن الشريعة اه».
وقال في موضع آخر منه : «قلتم ليس هو بجسم ، ولا جوهر ولا متحيز ولا في جهة ولا يشار إليه بحس ولا يتميز منه شيء وعبرتم عن ذلك بأنه تعالى ليس بمنقسم ولا مركب وأنه لا حد له ولا غاية ، تريدون بذلك أنه يمتنع عليه أن يكون له حد وقدر أو يكون له قدر لا يتناهى ... فكيف ساغ لكم هذا النفي بلا كتاب ولا سنة اه». وفي ذلك عبر للمعتبر ، وهل يتصور لمارق أن يكون أصرح من هذا بين قوم مسلمين؟.