انتفيا ما الذي يبقى من إيمان؟ فدع الحلال مع الحرام لأهله ، فهما السياج فاخرقه ثم ادخل واقطع علائقك التي قد قيدت هذا الورى لتصير حرا (١) لست تحت
__________________
ـ هذا طراز آخر في التخريف يدل على أنه قائل بالحلول على مذهب السالمية ، ومثله لا يمكن ترقيع كلامه. ووقعت بين الفتنتين فتنة عبد الغني المقدسي الحنبلي في الصوت ونحوه كما في ذيل الروضتين لأبي شامة فليراجع هناك ، وما حدث في القرن الخامس ببغداد في عهد أبي نصر بن القشيري من فتنة الحشوية فمشهور جدا. والمحضر الذي رفعه أبو إسحاق الشيرازي والحسين بن محمد الطبري ومحمد بن أحمد الشاشي والحسين بن أحمد البغدادي وعزيزي بن عبد الملك شيذلة ، وغيرهم من أئمة ذلك العصر عن تلك الفتنة بخطوطهم إلى نظام الملك ، مسجل في تبيين كذب المفتري لابن عساكر (ص ٣١٠) فيراجع هناك ليعلم مبلغ سعي الحشوية في إثارة الفتن في كل قرن وذلك مما يعرق به جبين الدهر خجلا من تخريفاتهم التي يتبرأ منها العقلاء كلهم. وأما ما أحدثوه من الفتن في أوائل القرن الرابع من الدعوة إلى القول بإجلاس محمد صلىاللهعليهوسلم على العرش في جنبه تعالى فمدوّن في كتب التاريخ. والمرسوم الذي أصدره الراضي العباسي ضد البربهاري الداعي إلى تلك البدعة مسجل في تاريخ ابن الأثير بنصه وفصه فليراجع القارئ الكريم هذا وذاك ليعلم نصيب الحشوية من العقل والدين وكلا الكتابين بمتناول الأيدي فنستغني عن نقل نصوص عنهما ، وفي كل ما تقدم عبر ، ويا لها من عبر ، والله سبحانه هو الهادي إلى سواء السبيل.
رد حديث الأوعال
(١) انظر هذا الخبث المضاعف ، يصور الناظم أن القول بعدم استقرار الإله جلّ شأنه على العرش استقرار تمكن وبعدم كون كلام الله القائم بذاته حرفا وصوتا حادثين في ذاته تعالى يكون انحلالا عن الدين وانسلاخا من التكاليف ، ولست أشك أن من يجترئ على هذا التصوير ويدور في خلده مثل هذا التفكير أمام جماهير أهل الحق المعتقدين للتنزيه من فجر الإسلام إلى اليوم في مشارق الأرض ومغاربها على طول القرون لا يكون إلا منطويا على الانسلاخ الذي يرمي به أهل الحق ، قاتله الله ما أجرأه على الله وما أوقحه! فمن الذي نفى أن للعالم مدبرا وأن القرآن كلام الله أنزل به الروح الأمين على قلب رسوله صلىاللهعليهوسلم؟ ومن الذي يجهل أن الملء والتخلية من شأن الأجسام نفيا وإثباتا ولم يرد الملء في سنة صحيحة حتى يجوز إطلاقه عليه سبحانه ، على أن تنزهه سبحانه عن الجسمية ولوازم الجسمية مما أجمع عليه أهل الحق ، ولم يشك فيه سوى من عنده نزعة الوثنية ، ولفظ بائن من خلقه لم يرد في كتاب ولا سنة ، وإنما أطلق من أطلق من السلف بمعنى نفي الممازجة ردا على جهم لا بمعنى الابتعاد بالمسافة ، تعالى الله عن ذلك. كما صرح بذلك البيهقي في الأسماء والصفات ، وأما لفظ أنه فوق العرش فلم يرد مرفوعا إلا في بعض طرق حديث الأوعال ـ من رواية ابن منده من التوحيد ـ وعبد الله بن عميرة في سنده مجهول الحال ، ولم يدرك الأحنف فضلا عن العباس. وسماك انفرد به عن عبد الله هذا ، في جميع الطرق ، ويحيى بن العلاء في رواية عبد الرزاق عن سماك يقول عنه أحمد : كذاب يضع الحديث. وتصحيح بعض الحشوية لبعض طرق حديث الأوعال لا يزيل ما به سندا ومتنا ، بل خبر الأوعال ملفق من الإسرائيليات كما نصّ عليه أبو بكر بن