يهتز فوق أصابع (١) الرّحمن وأن قلب العبد بين اثنتين من أصابعه ، وأنه يضحك عند
__________________
ـ أن يكون قبض الله من قبيل احتواء الأنامل على شيء ، وما زاد على ذلك في الروايات من أنه يأخذ السماوات بيده اليمنى ويأخذ الأرض بشماله ـ وحاشا أن يكون له شمال وكلتا يديه يمين ـ فمن تصرفات الرواة أثناء النقل بالمعنى كما لا يخفى على أهل هذه الصناعة المستحضرين لأحاديث الباب ومبلغ اضطرابها سندا ومتنا.
وأما حديث الحبر اليهودي فيوضع أجزاء الكون على إصبع فضحك النبي صلىاللهعليهوسلم فيه لا يدل على تصديق ذلك وإن ظنه بعض الرواة تصديقا ـ في بعض الطرق ـ بل يدل على الإنكار والاستهجان. وقد برهن ابن الجوزي في دفع الشبه وابن حجر في الفتح على أن ذلك إنكار لا تصديق رغم توهم ابن خزيمة كونه تصديقا لزيغ مشهور في معتقده ، كما سيأتي بيانه ، بل نزول قوله تعالى : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ) [الزّمر : ٦٧] أي تحت تصرف مالك يوم الدين لا يجري لأحد سواه حكم في ذلك اليوم (وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) [الزّمر : ٦٧] أي بقدرته لا حساب على سكانها بخلاف أهل الأرض فإنهم محاسبون (سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) [يونس : ١٨] عقب حديث حبر اليهود دليل واضح على الإنكار على أن إثباتهم الأصابع الحسية بالوجه السابق إشراك. قال الله تعالى : (إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا) [فاطر : ٤١] فمن الذي يظن أن ذلك بالمماسة؟ وكذلك القبض ، وإن هذى الشيخ محمد المنبجي الحنبلي تلميذ ، الناظم في جزء (إثبات المماسة) بما شاء من صنوف الهذيان ، وكل ذلك من بلايا ابن تيمية حيث لفق الروايات في هذا الصدد وقال ما شاء أن يقوله في الأجوبة المصرية وذكر ما ورد في بعض طرق الحديث وهو (قبض كفيه فجعل يقبضهما ويبسطهما) ثم قال : «وهنا شبه القبض والبسط بقبضه وبسطه» اه. وهذا تشبيه صريح من ابن تيمية (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ) [النّحل : ١٧] ومغالطة مكشوفة ، واللفظ المذكور لم يقع إلا في بعض الروايات ، والاضطراب في الحديث سندا ومتنا زيادة ونقصا ظاهر جدا لمن اطلع على طرقه بحيث لا يصح الاستدلال به ولا سيما في مثل هذا المطلب وعلى فرض ثبوت أن النبي صلىاللهعليهوسلم قبض كفيه وبسطهما أثناء الخطبة لم ينسب إليه صلىاللهعليهوسلم في حديث أنه قال : هكذا يقبض ويبسط حتى يصح كلام ابن تيمية ، بل البسط غير موجود فيما يروى عما يفعله سبحانه عند قيام الساعة حتى يظن به صلىاللهعليهوسلم إذا قبض كفيه وبسطهما أنه أراد تشبيههما بقبض الله وبسطه ، على أن الخطيب كثيرا ما تصدر منه حركات وإشارات أثناء الخطبة ، وحملها على معان لم ينطق هو بها تقويل للخطيب ما لم يقله ، ومن الظاهر جدا أن الأرض تحتوي على الأنجاس والأرجاس فكيف يتصور أن يكون قبض الله كقبض أحد من خلقه حقيقة بحيث يستلزم ذلك القبض على الأخباث والأرواث ، تعالى الله عن ذلك. وهذا مما لا يتصوره من يخاف مقام ربه ولو كان جاهلا باستحالة الجسمية على الله سبحانه. ولا نتعرض هنا لرواية كاتب الليث في الخبزة ولعل فيما ذكرنا كفاية.
الأصابع في كلام الجبر
(١) لم يرد في حديث وضع السماوات على إصبع إضافة الأصابع إلى الرّحمن أصلا وهذا كذب وتصرف في الحديث بالتحريف والتغيير قال القاضي أبو بكر بن العربي في القواصم والعواصم :