عجب قد تقدم إنكاره على جهم وشيعته قولهم : إن العبد ليس بفاعل فما هذا التناقض (١) ولعله نقل الكلامين تقليدا ولم يفهم معناهما فلذلك وقع التناقض بينهما ويكونان من كلامين.
ثم قال : فحقيقة القدر الذي حار الورى في شأنه هو قدرة الرّحمن ، واستحسن ابن عقيل ذا من أحمد وقال شفى القلوب بلفظه».
وقال الناظم : «إن الجبرية والمكذبين بالقدر نظروا نظر الأعور» والكلام في ذلك يطول وليس هذا من أهله (٢) ولا هو متعلق به بل كلامه فيه فضول فيما لا يعنيه.
فصل
قال : «أيكون أعطي الكمال وما له ذاك الكمال أيكون (٣) إنسان سميع مبصر متكلم وله الحياة والقدرة والإرادة والعلم والله قد أعطاه ذاك وليس وصفه فأعجب من البهتان بخلاف نوم العبد وجماعه وأكله وحاجة بدنه إذ تلك ملزومات كون العبد محتاجا وتلك لوازم النقصان وكذا لوازم كونه جسدا نعم ، ولوازم الأحداث والإمكان يتقدس عنها وعن أعضاء ذي جثمان».
__________________
(١) نفى عن العبد كونه فاعلا في مذهب الجهمية يعني الأشاعرة فيما سبق وأثبته هنا مذهبا لهم ، وعدّ اعتبار العبد فاعلا مناقضا لاعتبار أن الله خالق لفعل العبد! مع أن التناقض في كلامه نفسه كما شرحنا حيث نفى عنهم سابقا ما أثبته لهم هنا ، وأين التناقض بين كون الله خالقا وبين كون العبد فاعلا؟ فتدبر.
(٢) نرجو حضرات المغترين بهذا الناظم ونلح في الرجاء أن يقفوا هنا طويلا ليفهموا مقدار قدوتهم الذي لا يرضون أن يكون بجانبه أحد من علماء الأمة في العلم ، فها هم أولاء يسمعون الشيخ السبكي وهو الإمام الجليل في تقواه وفضله يقرر بصراحة أن ابن القيم ليس بأهل للكلام معه في مسألة من المسائل العادية ، وإني أعود فأرجوهم أن يتأملوا طويلا في كلمة هذا الإمام الكبير رضي الله عنه.
(٣) دليل اتصاف الله سبحانه بصفات الكمال من الكتاب والسنة والمعقول معروف عند أهله ، وأما الطريق الذي سلكه الناظم في ذلك فليس في شيء من الأداء إلى ما يتوخاه ، وإنما سلك هذا الطريق الغير النافذ ليخيل إلى العامة أن صفات الله من قبيل صفات العبد فلا مانع من أن يكون الباري ينظر بعين ويسمع بأذن ... إلى آخر تلك المخازي كما هو مذهبه في إثبات الصورة له تعالى مع أن تلك الصفات في العبد بآلات وجوارح فهي في العبد مقرونة بالنقائص والاحتياج ، تعالى الله عن ذلك ، فليتنبه إلى دسائس الناظم.