قلنا نعم نوافقه على ذلك على قول الأشعري إن الكلام النفسي يسمع ولا يلزم أن يكون هناك حرف وصوت ومن اعترف بكلام الله تعالى وأن موسى سمعه ولم يقل إنه حرف أو صوت أو غير ذلك بل وقف عند حده وعجزه وجهله ونزّه الله تعالى عن صفات خلقه ، سلم.
ثم قال في بيت الأخطل :
يا قوم قد غلط النصارى في الكلمة
ونظير هذا من يقول كلامه معنى قديم غير محدث والشطر مخلوق وتلك حروفه ناسوته (١).
أبصر هذه الجراءة وتشبيهه أقوال العلماء بأقوال النصارى وجهله وكذبه بأن الحروف كالناسوت. والمعنى قائم بذات الرب سبحانه وتعالى والألفاظ بالقارئ لا يتحد أحدهما بالآخر ولا يحل فيه كما يقول النصارى تعالى الله عن قولهم.
فصل
قال : «الكلام قيل بغير مشيئة ، وإنه معنى إما واحد وإما خمسة معان ، وقيل : إنه لفظ مقترن فالسين مع الباء ، والذين قالوا بمشيئة صنفان أحدهما جعله خارج ذاته وهو قول الجهمية ومتأخري المعتزلة والثانية في ذاته وهم الكرامية ، وهم نوعان أحدهما جعله مبدوءا به حذرا من التسلسل فلذلك قالوا له أول والآخرون كأحمد ومحمد قالوا : لم يزل متكلما (٢) بمشيئة وإرادة.
__________________
(١) لم يفهم الناظم كلام القوم فشنع كما شاء ، قاتل الله البلادة ما أفتكها.
ظنّ الناظم أن المراد بالمعنى معنى النظم فبنى عليه ما شاء ، مع أن مرادهم بالمعنى هنا هو القائم بالله الشامل للدال ومدلوله باعتبار وجودهما العلمي كما نصّ عليه أحمد في رده على ابن أبي دؤاد ، كما ذكر في كتاب السنة وغيره ، فلا يكون للفظ الخارجي دخل أصلا في القدم على مذهب إمامه نفسه ، نعم يوجد من يسير سير النصارى في الحلول بين الذين تكلموا في القرآن وهو من يقول إن الصوت من المصوت قديم وإن الله تعالى قرأ على لسان كل قارئ كما ذهب إلى ذلك السالمية ، تعالى الله عما يقول الظالمون. والناظم من أقرب المبتدعة إليهم.
(٢) افترى الناظم عليهما تمويها وتحميلا على لفظ مجمل ما لا يحتمله وهما كباقي أهل السنة يقولان : إن الله متصف بصفة الكلام أزلا كاتصافه بباقي صفاته الأزلية وهو يتكلم متى شاء ، وهما بعيدان من المماحكات الزائفة ، والله سبحانه سريع الحساب وشديد العقاب أزلا ولا يستلزم ذلك قدم البعث وهو سبحانه لم تحدث له صفة بخلق الخلق وهو خالق أزلا قبل أن يخلق الخلق.