وأبدا وتعاقب الآنات ثابت في الذهن كذا في العين ، فإن قلتم الآنات حادثة فيقال ما ذا تعنون بالآنات؟ هل تعنون مدة من حين إحداث السماوات؟ ونظنكم تعنون ذاك ولم يكن قبلها شيء من الأكوان ، هل جاءكم في ذاك من أثر ومن نص ومن نظر ومن برهان؟ إنا نحاكمكم إلى ما شئتم منها أوليس خلق الكون في الأيام أوليس ذلكم الزمان بمدة ، فحقيقة الأزمان (١) نسبة حادث لسواه ، واذكر حديث السبق بخمسين ألف سنة سابقة ، وعرش الرب فوق الماء من قبل السنين بمدة وزمان والحق أن العرش كان قبل القلم والذين لم يقولوا بدوام فعله (٢) عموا عن القرآن والحديث ومقتضى العقول وفطرة الرّحمن والبرهان وأسسوا أصل الكلام وبنوا قواعدهم عليه وقادهم قسرا إلى التعطيل ، نفى القيام لكل أمر حادث بالرب خوف تسلسل الأعيان
__________________
ـ ممن به مس بخلاف المستقبل وقد سبق بيان ذلك ، وقال أبو يعلى الحنبلي في المعتمد : «والحوادث لها أول ابتدأت منه خلافا للملحدة اه». وهو من أئمة الناظم فيكون هو وشيخه من الملاحدة على رأي أبي يعلى هذا فيكونان أسوأ حالا منه في الزيغ نسأل الله السلامة.
الرد على كلام الناظم في الزمان
(١) بل الزمان متجدد معلوم يقدر به متجدد مبهم إزالة لإبهامه عند المتكلمين ، وجوهر مجرد عند بعض الفلاسفة ، وعرض غير قار الذات عند جمهورهم أو هو الفلك الأعظم أو حركته أو مقدار تلك الحركة عند طوائف منهم ، وقول الناظم لا يطابق واحدا منها والكلام في الزمان والمكان طويل الذيل مبسوط في موضعه ، فكأن الناظم يريد أن يقول : إن الزمان كان موجودا قبل هذه السماوات بدليل تلك الأحاديث فلا مانع من وجود حوادث لا أول لها متعاقبة في الماضي في آنات متعاقبة لا أول لها ، وهو قول الدهرية نفاة الصانع. فيا ترى ما ذا يريد من كون العرش قبل القلم فإن كان أراد أن يجعل لله عرشا يستقر عليه أزلا إما بقدم العرش قدما نوعيا ، كما روى الدواني عن ابن تيمية أو قدما شخصيا لورود «أول ما خلق الله القلم» فحاشاه أن يستقر على عرش استقرار تمكن حادثا كان العرش أو غير حادث. تعالى الله عن هذا وذاك. ولأهل العلم كلام واف في الأحاديث الواردة في أول ما خلق الله تعالى ولا غرض لنا يتعلق بذلك هنا. والعرش هو المخلوق الثالث عند محققي أهل العلم بالحديث.
(٢) القول بدوام فعله تعالى في جانب الماضي قول بحوادث لا أول لها ، وقد سبق تسخيف ذلك مرات ، قال القاضي أبو يعلى الحنبلي : «لا يجوز وجود موجدات لا نهاية لعددها سواء كانت قديمة أو محدثة خلافا للملحدة ، والدلالة عليه أن كل جملة لو ضممنا إليها خمسة أجزاء مثلا لعلم ضرورة أنها زادت ، وكذلك عند النقص ، وإذا كان كذلك وجب أن تكون متناهية بجواز قبول الزيادة والنقصان عليها ، لأن كل ما يأتي فيه الزيادة والنقصان وجب أن يكون متناهيا من جهة العدد اه» راجع المعتمد المحفوظ تحت رقم ٤٥ من التوحيد في ظاهرية دمشق وهذا بالنظر إلى الماضي كما سبق فتبا لمن يكون أسوأ حالا في هذه المباحث من أبي يعلى المذكور حاله في دفع شبه التشبيه لابن الجوزي.