المعتزلة اليوم عندنا ظاهرا فلا كلام له إلا مع الأشعرية الذين أكثر الخلق يقتدون بهم ، يريد تنقيصهم والطعن فيهم ، ويأبى الله إلا أن يتم نوره.
قال : «والله كان وليس شيء (١) غيره وخلق البرية ، فسل المعطل هل هي خارج ذاته أو فيها أو هو عينها لا رابع ، ولذلك قال محقق القوم الذي رفع القواعد هو عين الكون فهو الوجود بعينه إن لم يكن فوق الخلائق إذ ليس يعقل بعد إلا أنه فيها كمقالة النصراني فاحكم على من قال ليس بخارج ولا داخل بأنه أوقع عليه (٢) حد المعدوم ، فإن زعم أن ذاك في الجسم ، والرب ليس كذا فيقال هذا دعوى واصطلاح اليونان».
إن أراد بالدعوى نفي الجسمية عن الرب وبالاصطلاح ذلك فقد أظهر ما في نفسه ، وإن أراد أن النفي إنما يصدق في الأجسام والظاهر أنه مراده فلا يقال فيه اصطلاح.
قال : «والشيء يصدق نفيه عن قابل وسواه ولذا ينفي عنه الظلم المحال والنوم والسنة والطعم والولادة والزوجة ، والله وصف الجماد بأنه ميت أصم ، ونفى عنه الشعور والنطق والخلق وهو لا يقبل ، ولو سلم أن هذا شرط كان في الضدين لا في النقيضين ونفيكم لقبولهما يزيل الإمكان وهو كنفي قيامه بالنفس أو بالغير فإذا المعطل
__________________
(١) وهذا يناقض القول بحوادث لا أول لها ودوام الفعل في جانب الماضي ، والناظم كم ينقض غزله وله هوى في إكفار الأمة بكل وسيلة ، ولا أدري ما ذا يكسب هذا المتهوس إذا لم يبق من الأمة مسلم سوى مكسري الحشوية. وبين الصوفية أتقياء أبرار يراعون أدق أوامر الشرع في جميع شئونهم ويرون في الوجود ما لا يتنافى مع التكاليف الشرعية كما أن بين المتصوفة زنادقة إباحية ، وإجراء الكلام في حق الفريقين بمجرى واحد ليس من الإنصاف في شيء وكفى أن ينسب إليهم بعض بدع بدون تسرع في إكفارهم ، وقال العلامة يوسف البحري من أجلّة أصحاب السيد مرتضى الزبيدي فيما علقه على (المجموع في المشهود والمسموع) : إن الواجب له عز الوجوب والعظمة والكبرياء فهو منزّه عن اللواحق المادية والتعطيلات الإلحادية وإن الممكن له ذل الإمكان وحقارة الاحتياج إليه محقور مقهور محتاج إليه تعالى في وجوده وبقائه وجميع أطواره فلا ينقلب الواجب ممكنا ولا الممكن واجبا ، بل الواجب خالق قادر غني والممكن مخلوق عاجز محتاج ، فلا يكون أحدهما عين الآخر ، وهذا بديهي وبه نزلت الكتب السماوية وجاء به الأنبياء والمرسلون ودعوا الناس إلى اعتقاده وقامت عليه البراهين واتحدت كشوف الأولياء مع طريق النظر في هذا المطلب اه ثم شرح كيف يضمحل الوجود الإمكاني في نظر المقبل إلى الله بكليته.
(٢) من يعلم هذا البجباج النفاج أنواع التقابل والفرق بين الضدين والنقيضين؟ ومن يفهمه أن الخروج والدخول ضدان لا نقيضان قد يرتفعان عما ليس بجسم بخلاف النقيضين؟.