__________________
ـ المالكية ولو كان ابن عبد البر لم يكتف بالطلمنكي في أصول الدين ورحل إلى الشرق كالباجي لم يقع في كلامه ما يوهم ولم يقع ذكر الجهة في حق الله سبحانه في كتاب الله ولا في سنة رسوله صلىاللهعليهوسلم ولا في لفظ صحابي أو تابعي ولا في كلام أحد ممن تكلم في ذات الله وصفاته من الفرق سوى أقحاح المجسمة وأتحدى من يدعي خلاف ذلك أن يسند هذا اللفظ إلى أحد منهم بسند صحيح فلن يجد إلى ذلك سبيلا فضلا عن أن يتمكن من إسناده إلى الجمهور بأسانيد صحيحة ، وأول من وقع ذلك في كلامه ممن يدعي الانتماء إلى أحد الأئمة المتبوعين ـ فيما أعلم ـ هو أبو يعلى الحنبلي المتوفى سنة ٤٥٨ حيث قال عند إثباته الحد له تعالى في كتابه (إبطال التأويلات لأحاديث الصفات) : «إن جهة التحت تحاذي العرش بما قد ثبت من الدليل والعرش محدود فجاز أن يوصف ما حاذاه من الذات أنه حد وجهة له وليس كذلك فيما عداه لأنه لا يحاذي ما هو محدود بل هو مار في اليمنة واليسرة والفوق والأمام والخلف إلى غير غاية فلذلك لم يوصف واحد من ذلك بالحد والجهة وجهة العرش تحاذي ما قابله من جهة الذات ولم تحاذ جميع الذات لأنه لا نهاية لها اه». تعالى الله عما يقول المجسمة علوا كبيرا وهو عين ما ينسب إلى المانوية الحرانية من تلاقي النور من جهة الأسفل مع الظلمة وعدم تناهيه من الجهات الخمس ـ سبحانك ما أحلمك ـ ثم تابعه أناس من الحنابلة في نسبة الجهة إلى الله سبحانه منهم أبو الحسن علي بن عبيد الله الزاغوني الحنبلي المتوفى سنة ٥٢٧ ووقع بعده في غنية الشيخ عبد القادر وقد سبق رده ، وإثبات ذلك له تعالى ليس بالأمر الهين عند جمهور أهل الحق بل قال جمع من الأئمة إن معتقد الجهة كافر كما صرح به العلم العراقي ، وقال إنه قول أبي حنيفة ومالك والشافعي والأشعري والباقلاني اه فانظر قول ابن تيمية في التسعينية (ص ٣) : أما قول القائل ، الذي نطلب منه أن ينفي الجهة عن الله والتحيز فليس في كلامي إثبات لهذا اللفظ لأن إطلاق هذا اللفظ نفيا وإثباتا بدعة اه ، وهذه مغالطة ، فإن ما لم يثبته الشرع في الله فهو منفي قطعا ، لأن الشرع لا يسكت عما يجب اعتقاده في الله ، وقوله سبحانه : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشّورى : ١١] نص في نفي الجهة عنه تعالى إذ لو لم تنف عنه الجهة لكانت له أمثال لا تحصى ، تعالى الله عن ذلك ـ ثم انظر قوله في منهاجه (١ ـ ٢٦٤) : فثبت أنه في الجهة على التقديرين اه» لتعلم كيف رماه الله بقلة الدين وقلة الحياء في آن واحد. وأما ما ينقله الذهبي وغيره من الحشوية من تفسير القرطبي في قوله تعالى : (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) [الأعراف : ٥٤] من أنه قال : وقد كان السلف الأول رضي الله عنهم لا يقولون بنفي الجهة ولا ينطقون بذلك بل نطقوا هم والكافة بإثباتها لله تعالى كما نطق كتابه وأخبرت رسله فتساهل منه في العبارة ، فإنه لم يرد لفظ الجهة في عبارة السلف ولا في كتاب الله ، ولو أراد ورود هذا اللفظ لكذبه كتاب الله وسنّة رسوله صلىاللهعليهوسلم والآثار المروية عن السلف لأن الوارد لفظ (وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ) [الأنعام : ١٨] و (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) [الأعراف : ٥٤] ونحو ذلك بدون تعرض للتكييف بالجهة ، وهكذا الوارد في السنة وآثار السلف ويعين قوله «كما نطق به كتابه» أن مراده الفوقية والعلو بلا كيف وذكر الجهة سبق قلم منه فلا يكون متمسك للحشوية فيما ذكره القرطبي في تفسيره كيف وهو القائل فيه : ـ