تلك الشباك وكنت ذا طيران حتى أتاح لي الإله بفضله من ليس تجزيه يدي ولساني حبر أتى من أرض حران فيا أهلا بمن قد جاء من حران» (١).
__________________
(١) وكم أضلّ من خلطائه ولهم معه موقف يوم القيامة لا يغبط عليه وهو الذي جاهر بقيام الحوادث بذاته تعالى ـ بعزو ذلك إلى أئمة أبرياء من مثل هذا الإلحاد ـ وبالقدم النوعي ، وبالجهة والحركة والثقل وتجويز الجسمية والاستقرار في جانب الله سبحانه مع التطاول على كثير من الأئمة والشذوذ عما عليه جمهور أهل العلم في كثير من المسائل الفرعية ، والرد على كبير العلماء وصغيرهم حتى الصحابة وتلبيس ذلك بمذهب السلف خيانة وكذبا ، ومما يجب التنبه إليه أن من وجوه تحيل الناظم وشيخه ومن على شاكلتهما من المتشبعين بما لم يعطوا تتبع ما دون ضد الأئمة المتبوعين من مؤاخذات في مسائل واتخاذ تلك المؤاخذات وسيلة للتهجم عليهم كلما شاءوا لأجل أن يظهروا بمظهر أنهم من السعة في العلم بحيث تضيق علوم الأئمة عن علومهم ويجب هجر آراء هؤلاء إلى أهوائهم ، هذا شأنهم في أئمة علوم الشرع وهكذا صنيعهم مع علماء باقي العلوم بدون تفرغ العلم ، ولا شك أن كل عالم مهما علت منزلته في علمه لا بد وأن تقع منه هفوات تكون مدوّنة في كتاب لأحد نقاد هذا العلم المتفرغين للتمحيص فيه خاصة إذ لا عصمة لغير الأنبياء عليهمالسلام ، فمن تعوّد أن يجمع تلك المؤاخذات من مظانها كالباب الخاص في مصنف أبي شيبة في مخالفات أبي حنيفة لأحاديث صحيحة صريحة في نظر صاحب المصنف ، وكتاب إبراهيم ابن علية في مالك وكتاب محمد بن عبد الحكم في حق الشافعي ، وكتاب الكياهراسي في مفردات أحمد وكتاب الأهوازي في الأشعري ونحوها ، وأخذ يتحامل على الأئمة بتوجيه تلك المؤاخذات إليهم متظاهرا بأنها من بنات أفكاره داسا في غضون كلامه ما شاء من الأباطيل يظن به من لا بصر له بالحقائق من العامة أن له من العلم ما يجعله فوق الأئمة فهما وتحقيقا وإحاطة مع أنه لابس ثوبي زور ، وقد ردّ على غالب تلك المؤاخذات في كتب خاصة بحيث لا تقوم لها قائمة لكن الذي يجهل ذلك ينخدع بخزعبلاته ويقع في المهالك إذا تقاعس علماء أهل الحق عن البحث والتنقيب والرد على الشذاذ بمثل أسلحتهم كما يجب ، والله سبحانه يتولى هدانا بمنّه وكرمه وأيقظنا جميعا من رقدتنا وألهمنا طريق حراسة مذاهب أهل الحق في الأصول والفروع وأشعرنا عظم المسئولية في الآخرة ووقانا شر التساهل في ذلك إنه سميع مجيب.
قال الحافظ ابن طولون في «ذخائر القصر في تراجم نبلاء العصر» عند ذكره سبب انتقال الشيخ عبد النافع بن عراق من المذهب الحنبلي إلى المذهب الشافعي بعد أن جعله والده حنبليا : «قال الحافظ صلاح الدين العلائي (وقل من أفضله عليه من متأخري الشافعية في الجمع بين الفقه والحديث كما يجب) ذكر المسائل التي خالف فيها ابن تيمية الناس في الأصول والفروع. فمنها ما خالف فيها الإجماع ، ومنها ما خالف الراجح في المذاهب : فمن ذلك يمين الطلاق قال بأنه لا يقع عند وقوع المحلوف عليه بل عليه فيها كفارة يمين ، ولم يقل قبله بالكفارة فيها واحد من فقهاء المسلمين البتة ودام إفتاؤه بذلك زمانا طويلا وعظم الخطب ووقع في تقليده جم غفير من العوام وعمّ البلاء ، وأن طلاق الحائض لا يقع وكذلك الطلاق في طهر جامع فيه زوجته ، وأن الطلاق الثلاث يرد إلى واحدة ، وكان قبل ذلك قد نقل إجماع المسلمين في هذه المسألة على خلاف ذلك ، وإن من خالفه فقد كفر ، ثم إنه أفتى بخلافه وأوقع خلقا