فصل
قال : «ولنا الحقيقة من كلام إلهنا ونصيبكم منه المجاز الثاني وخيامنا مضروبة بمشاعر الوحيين وخيامكم (١) مضروبة في التيه فالمكان كل ملدد حيران ، هذه شهادتهم على محصولهم عند الممات والله يشهد أنهم أيضا كذا ولنا المسانيد والصحاح ولكم تصانيف الكلام ونقول : قال الله قال رسوله في كل تصنيف وكل مكان لكن تقولون : قال أرسطو وقال ابن الخطيب (٢) وقال ذو العرفان شيخ لكم يدعى ابن سينا ، وخيار ما تأتون قال : الأشعري وتشهدون (٣) عليه بالبهتان ، والكفر عندكم خلاف شيوخكم ووفاقهم فحقيقة الإيمان».
انتهى ، يكفيه أن ينسب القائلين عند موتهم بالعجز عن حقيقة الإدراك إلى الكفر وهي كلمة الصّدّيق الأكبر (إن العجز عن حقيقة الإدراك إدراك).
__________________
(١) بل أهل السنة هم الذين جمعوا بين الكتاب والسنة وآثار السلف والبراهين العقلية التي هي من حجج الله سبحانه ، من غير إهمال شيء منها ، مراعين مراتب الأدلة ووجوه الدلالة وإنما مذهب السلف عدم الخوض في الصفات مع التنزيه العام وهم من أبعد الناس عن حمل ما في كتاب الله وما صحّ في السنة على ما يوهم التشبيه فإذا تكلموا إنما يتكلمون بما يوافق التنزيه وهم الذين يقولون فيما صحّ لفظه : «أمروه كما جاء بدون تفسيره بل تفسيره قراءته بلا كيف ولا معنى» كما تواتر ذلك عن السلف ولا سيما عن أحمد وقد ذكرنا بعض نصوص لهم في ذلك ، وأما أصحاب الناظم فهم الذين جمعوا بين الإسرائيليات والجاهليات وأنواع الخرافات والأخبار الموضوعات كما يظهر من كتبهم في العلو والسنة والتوحيد والنحل أين في الصحاح والسنن (ينزل بذاته) و (يستوي على العرش استواء استقرار وجلوس) و (يتحرك) و (يتكلم بصوت)؟ فلو وقفوا حيث وقف الكتاب والسنة والبرهان العقلي وأبوا الخوض في الصفات بعقولهم الضئيلة لكانوا على الهدى لكنهم حادوا وزادوا ، قاتلهم الله ما أوقحهم وأشنع إفكهم على أهل الحق.
عظم شأن الفخر الرازي في الرد على الحشوية
(٢) هو الإمام فخر الدين الرازي ، سيف الله المسلول على المجسمة وهو من أبغض أهل العلم إليهم لأنه تمكن ببيانه الواضح وبرهانه الدامغ من إزالة شرور المجسمة من بلاد الشرق كما أجهز على المجسمة الذين أووا إلى الشام بكتابه (أساس التقديس) وهو كتاب يحق أن يكتب بماء الذهب وأن يجعل من كتب الدراسة في بلاد تشيع فيها مخازي المشبهة وهو كاف في قمعهم ، والله سبحانه يكافيه على ذلك ، وتفسيره الكبير من أهم الكتب في الرد على الحشوية وفي ذلك ما يكون كفارة لما بدر منه من بعض أغلاط ، سامحه الله وأعلى منزلته في الجنة.
(٣) ومذهبه هو ما في كتب أصحابه وأصحاب أصحابه كأبي منصور عبد القاهر البغدادي والقشيري وابن الجويني ونحوهم وقد أفنى الحشوية مؤلفات الإمام في فتن بغداد وتصرفوا فيما بالأيدي من كتبه ودسوا ما شاءوا ، قاتلهم الله.