ففي بعض تلك النسخ : وأبوا النبي صلىاللهعليهوسلم ماتا على الفطرة ، و (الفطرة) سهلة التحريف إلى (الكفر) في الخط الكوفي ، وفي أكثرها. (ما ماتا على الكفر) ، كان الإمام الأعظم يريد به الرد على من يروي حديث (أبي وأبوك في النار) ويرى كونهما من أهل النار. لأن إنزال المرء في النار لا يكون إلا بدليل يقيني وهذا الموضوع ليس بموضوع عملي حتى يكفي فيه بالدليل الظني.
ويقول الحافظ محمد المرتضى الزبيدي شارح الإحياء والقاموس في رسالته (الانتصار لوالدي النبي المختار). وكنت رأيتها بخطه عند شيخنا أحمد بن مصطفى العمري الحلبي مفتي العسكر العالم المعمر. ما معناه : إن الناسخ لما رأى تكرر (ما) في (ما ماتا) ظنّ أن إحداهما زائدة فحذفها فذاعت نسخته الخاطئة ، ومن الدليل على ذلك سياق الخبر لأن أبا طالب والأبوين لو كانوا جميعا على حلة واحدة لجميع الثلاثة في الحكم بجملة واحدة لا بجملتين مع عدم التخالف بينهم في الحكم. وهذا رأي وجيه من الحافظ الزبيدي إلا أنه لم يكن رأى النسخة التي فيها (ما ماتا) وإنما حكى ذلك عمن رآها ، وإني بحمد الله رأيت لفظ (ما ماتا) في نسختين بدار الكتب المصرية قديمتين كما رأى بعض أصدقائي لفظي (ما ماتا) و (على الفطرة) في نسختين قديمتين بمكتبة شيخ الإسلام المذكورة. وعلي القاري بنى شرحه على النسخة الخاطئة وأساء الأدب سامحه الله. وكتب الرجال شحيحة في ذكر بعض الوفيات ، فعلي بن أحمد الفارسي توفي عن سن عالية سنة ٣٣٥ ه ونصير بن يحيى البلخي من أصحاب أبي سليمان الجوزجاني وأبي مطيع توفي سنة ٢٦٨ ه وقد ناهز التسعين ، ومحمد بن مقاتل الرازي من أصحاب محمد بن الحسن توفي سنة ٢٤٨ ه وعصام بن يوسف توفي سنة ٢١٠ ه عن ٨٤ سنة ، ووفيات بعض هؤلاء في نوازل أبي الليث السمرقندي ، وقد وقع في بعض النسخ المطبوعة والمخطوطة وفي بعض ما طبع لي (أبو مقاتل) و (نصر) بدل (ابن مقاتل) و (نصير) غلطا فوجبت الإشارة إلى ذلك ، وهذا ما عنّ لي ذكره قبل تلك الرسائل المروية عن فقيه الملة أبي حنيفة النعمان بن ثابت رضي الله عنه وعن أصحابه وسائر أئمة الفقه وعلماء هذه الأمة أجمعين.
محمد زاهد الكوثري