ولا نزال نمضي على مناصرة الحق بإذنه جلّ شأنه ، رغم كل صعوبة قائمة ، حتى ظهر للملإ أنه لو ابتغى نفقا في الأرض أو سلّما في السماء ، ليأتي برواية صحيحة ، عن أحد من علماء أهل الحق من صدر الإسلام إلى عهد متنبئ المغول ، ينفي ما ينفي كاتب المقال لما وجد إلى ذلك سبيلا ، ليقال : إنّ له زميلا في الشذوذ ، فضلا عن أن يتصوّر احتمال أن يكون الحقّ في جانبه ولو بمقدار نسبة
الواحد إلى الألف.
فيكفي في سقوط كلامه ظهور أنه قال ما لم يقله أحد من العالمين رحم الله الإمام زفر بن الهذيل حيث قال : «إني لا أناظر أحدا حتى يسكت ، بل أناظره حتى يجنّ ، قالوا : كيف ذلك؟ قال : يقول بما لم يقل به أحد» ، كما رواه الصّيمريّ وغيره عنه.
وأكتفي في الحديث عن الآيات التي نحن بصدد بيانها ، بلمحة يسيرة إليها هنا ، حيث أغنى عن التوسع فيها ما سبق توضيحه بقلم الأساتذة الرادّين على باطله ، فأقول : إنّ قوله تعالى : (... وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً (١٥٧) بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ) [النساء : ١٥٧ ، ١٥٨] نصّ في الرفع الحسي ، لأن حقيقة الرفع هي النقل من السّفل إلى العلو ، كما يقول أبو حيان الأندلسي في «البحر المحيط» ، ولا صارف عن الحقيقة حتى يجوز حمل الرفع هنا على رفع المكانة مجازا ، فيكون احتمال المجاز احتمالا غير ناشئ من دليل ، فيكون (بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ) [النّساء : ١٥٨] نصّا في الرفع الحسّي بل في الآية ما يردّ احتمال المجاز ردّا باتا من وجوه :
أمّا أولا فإنّ السياق في تقرير بطلان ما قاله اليهود من قتله ، ببيان أنهم إنما قتلوا الشّبه ، فبرفعه الحسيّ يكون إنقاذ شخصه منهم ، فينسجم بذلك ما قبل «بل» بما بعدها ، ورفع المكانة مما لا ينافي القتل ، وكم من نبيّ قتل وهو رفيع المكانة ، فلا يصحّ دخول «بل» بينهما ، لانتفاء التضادّ بينهما.
وقد أخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم في «تفسيره» بسند صحيح إلى ابن عباس ، أنّ عيسى رفع من روزنة في البيت ، وساق ابن كثير السند في «تفسيره» ١ : ٥٧٤ وهذا ليس مما يعلم بالرأي ، فيكون في حكم المرفوع عند جماعة أهل العلم.
وأمّا ثانيا فإنّ حمل الرفع هنا على رفع المكانة لا يظهر له وجه اختصاص بهذا الموقف ، لأنّ أولي العزم من الرّسل يكون كلّ واحد منهم رفيع المكانة دائما.