قال أبو حنيفة رحمهالله : إن الاستطاعة التي يعمل بها العبد المعصية هي بعينها تصلح لأن يعمل بها الطاعة وهو معاقب في صرف (١) الاستطاعة التي أحدثها الله تعالى فيه وأمره أن يستعملها في الطاعة دون المعصية.
قلت : فإن قال : الله تعالى لم يجبر عباده على ذنب ثم يعذبهم عليه فما ذا نقول له؟ قال : قل له : هل يطيق العبد لنفسه ضرا ونفعا؟ فإن قال : لا لأنهم مجبورون في الضر والنفع ما خلا الطاعة والمعصية. فقل له : هل خلق الله الشر؟ فإن قال : نعم. خرج من قوله وإن قال : لا ، كفر لقوله تعالى : (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (١) مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ (٢)) [الفلق : ١ ، ٢]. أخبر أن الله تعالى خلق الشر. قلت : فإن قال : ألستم تقولون إن الله شاء الكفر وشاء الإيمان. فإن قلنا نعم ، يقول : أليس الله تعالى يقول : (هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ) [المدّثّر : ٥٦] نقول : نعم ، فيقول : أهو أهل الكفر؟ فما نقول له؟ قال : نقول : هو أهل لمن يشاء الطاعة وليس بأهل لمن يشاء المعصية. فإن قال : إن الله تعالى لم يشأ أن يقال عليه الكذب. فقل له : الفرية على الله من الكلام والمنطق أم لا؟ فإن قال : نعم ، فقل : من علّم آدم الأسماء كلها؟ فإن قال : الله ، فقل : الكفر من الكلام أم لا؟ فإن قال : نعم ، فقل : من أنطق الكافر؟ فإن قال : الله. خصموا أنفسهم ، لأن الشرك من النطق ، ولو شاء الله لما أنطقهم به. قلت : فإن قال : إن الرجل إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل ، وإن شاء أكل وإن شاء لم يأكل ، وإن شاء شرب وإن شاء لم يشرب. قال : فقل له : هل حكم الله على بني إسرائيل أن يعبروا البحر وقدّر على فرعون الغرق؟ فإن قال : نعم ، قل له : فهل يقع من فرعون أن لا يسير في طلب موسى وأن لا يغرق هو وأصحابه؟ فإن قال : نعم فقد كفر ، وإن قال : لا ، نقض قوله السابق.
__________________
(١) وصرف الاستطاعة هو منار التكليف وقد جعله الله بيد العبد المكلف فلا جبر عنده (ز).