وسمع موسى عليهالسلام كلام الله تعالى كما قال الله تعالى : (وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً) [النّساء : ١٦٤]. وقد كان الله تعالى متكلما ولم يكن كلّم موسى عليهالسلام ، وقد كان الله تعالى خالقا في الأزل ولم يخلق الخلق ، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
فلما كلّم الله موسى كلّمه بكلامه الذي هو له صفة في الأزل ، وصفاته كلها بخلاف صفات المخلوقين ، يعلم لا كعلمنا ، ويقدر لا كقدرتنا ، ويرى لا كرؤيتنا ، ويسمع لا كسمعنا ، ويتكلم لا ككلامنا.
ونحن نتكلم بالآلات والحروف ، والله تعالى يتكلم بلا آلة ولا حروف ، والحروف مخلوقة وكلام الله تعالى غير مخلوق.
وهو شيء لا كالأشياء ، ومعنى الشيء إثباته بلا جسم ولا جوهر ولا عرض ، ولا حد له ولا ضد له ولا ند له ولا مثل له.
ولا يد ووجه ونفس كما ذكره الله تعالى في القرآن ، فما ذكر الله تعالى في القرآن من ذكر الوجه واليد والنفس فهو له صفات بلا كيف.
ولا يقال إن يده قدرته أو نعمته ، لأن فيه إبطال الصفة ، وهو قول أهل القدر والاعتزال ولكن يده صفته بلا كيف ، وغضبه ورضاه صفتان من صفاته تعالى بلا كيف.
خلق الله تعالى الأشياء لا من شيء ، وكان الله تعالى عالما في الأزل بالأشياء قبل كونها ، وهو الذي قدّر الأشياء وقضاها ، ولا يكون في الدنيا ولا في الآخرة شيء إلا بمشيئته وعلمه وقضائه وقدره وكتبه في اللوح المحفوظ ، ولكن كتبه بالوصف لا بالحكم.
والقضاء والقدر والمشيئة صفاته في الأزل بلا كيف ، يعلم الله تعالى المعدوم في حال عدمه معدوما ، ويعلم أنه كيف يكون إذا أوجده ، ويعلم الله تعالى الموجود في حال وجوده موجودا ، ويعلم أنه كيف يكون فناؤه ، ويعلم الله تعالى القائم في حال قيامه قائما وإذا قعد علمه قاعدا في حال قعوده من غير أن يتغير علمه أو يحدث له علم ، ولكن التغير والاختلاف يحدث في المخلوقين.
خلق الله تعالى الخلق سليما من الكفر والإيمان ، ثم خاطبهم وأمرهم ونهاهم ، فكفر من كفر بفعله وإنكاره وجحوده الحق بخذلان الله تعالى إياه ، وآمن من آمن بفعله وإقراره وتصديقه بتوفيق الله تعالى إياه ونصرته له.