وأما قوله تعالى : (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ) [الزّخرف : ٦١] فقد اعترف بطل الخروج على المتوارث بعود الضمير فيه على عيسى ، وعدم احتمال عوده على غيره ، لكن ظنّ أنه يجد في السّياق ما يمكّنه من صرفه عن وجهته ، ولم يعلم أن كون الخطاب للمشركين وأهل الجاهلية يضرّه ولا ينفعه ، لأنهم لا يقرّون بحدوث عيسى بدون أب ، ولا بإبرائه الأكمه والأبرص ، وإحيائه الموتى بإذن الله. وإنما هذا وذاك مما نصّ عليه القرآن الكريم وهم لا يؤمنون به ، فكيف يتصور إقامة الحجة عليهم بما لا يقرّون به؟
فتعيّن أنّ عود الضمير إلى عيسى ، باعتبار أنّ نزوله من أشراط الساعة ، فأصبح نصا في النزول لا يعدل عنه.
وقراءة «لعلم للسّاعة» بفتحتين قراءة عدة من الصحابة والتابعين كما في «البحر» وغيره ، لكن تغاضى عنها الشيخ مع صحة سندها ، حيث لم تكن هذه القراءة على هواه ، لأنها تعيّن عود الضمير إلى عيسى باعتبار أنّ نزوله من أشراط الساعة ، مع أنه كان شديد التمسك بالقراءة المنسوبة إلى أبيّ بن كعب ، مع الضعف في سندها كما سبق ، لأنه كان يعدّها من صالحه ، وهكذا يكون الهوى!
وقد جاء في صحيح ابن حبّان بسند صحيح بطريق مصدع ، عن ابن عباس ، عن النبي صلىاللهعليهوسلم في قوله : (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ) [الزّخرف : ٦١] قال : نزول عيسى ابن مريم من قبل يوم القيامة.
فهل يمكن لمن يخضع لمعايير العلم أن يتعنّت بعد هذا كلّه في ردّ ما عليه الجماعة؟ وقد فهم أهل التفسير أمثال الزمخشري من إشارات آيات سوى ما تقدّم رفع عيسى ونزوله ، فهما يدلّ على يقظة بالغة. وفي إيضاح مداركهم طول نستغني عن الخوض فيها بصرائح الآيات المتقدمة.
فظهر مما سبق كلّ الظهور بطلان قول الشيخ : «ليس في القرآن الكريم ما يفيد بظاهره غلبة الظن بنزول عيسى أو رفعه ، فضلا عما يفيد القطع الذي يكوّن عقيدة ويكفّر منكره كما يزعمون».
واتضح أيضا أنّ نصوص القرآن الحكيم وحدها تحتّم عليه القول برفع عيسى حيّا ، ونزوله في آخر الزمان ، حيث لا اعتداد باحتمالات خيالية لم تنشأ من دليل ، كيف والأحاديث قد تواترت في ذلك ، واستمرّت الأمّة خلفا عن سلف على الأخذ بها ، وتدوين موجبها في كتب الاعتقاد من أقدم العصور إلى اليوم ، فما ذا بعد الحق إلا الضلال.