وأين هذا من سند فيه عتّاب بن بشير ، وخصيف ، أو سند فيه أبو هارون الغنوي إبراهيم بن العلاء وعكرمة ، أو جويبر والضحاك ، أو محمد بن حميد وأبو تميلة يحيى بن واضح وحسين بن واقد وعكرمة ، أو أبو حذيفة موسى بن مسعود وشبل وعبد الله بن أبي نجيح؟
ولا يلتفت في باب الرواية إلى غير الصحيح عند وجود الصحيح ، كما لا يلتفت إلى ما يوجب ترك موجب السياق أو إخراج اللفظ عن مدلوله الظاهر حيث لا صارف ، فعلم أن الاحتمال هنا لم ينشأ من دليل ، فلا يخلّ بكون الآية نصّا في النزول.
وميل الزمخشري إلى عود ضمير (مَوْتِهِ) [سبإ : ١٤] ، على الكتابي ، إنما نشأ من رواية شهر بن حوشب عنده ظنا منه أنها صحيحة ، لأنه لا تعويل على الرأي والدراية عند ثبوت الرواية عن المعصوم ، أو عمن تلقى من المعصوم ، لأنه «إذا جاء نهر الله بطل نهر معقل» عند أهل الدين. ولو علم أنّ رواية محمد بن السائب الكلبي عن شهر مردودة عند أهل النقد لما عرّج عليها.
ثم قول النووي تعويلا على قراءة أبيّ بن كعب ، مخالف لمذهبه في القراءات الشاذة. وقراءة أبيّ هذه في سندها عتّاب بن بشير وخصيف ، وكلاهما ضعيف ، والقراءة الشاذة ما لم يصحّ سندها لا يحتجّ بها في باب التفسير عند أهل العلم.
ثم ترجيح إرجاع الضمير إلى الكتابيّ في (مَوْتِهِ) [سبإ : ١٤] لما في ذلك من المحافظة على عموم الإيمان لكل كتابي ، ففيه هدم مصر ، لبناء قصر! لأنّ فيه إخراج كلمة (قَبْلَ) من معناها ، بحمل الإيمان هنا على الإيمان أثناء الموت لا قبله ، وحمل الإيمان على خلاف المعنى المتبادر منه وهو الإيمان النافع ، على أنّ ما لا ينفع لا يسمّى إيمانا في الشرع ، وإلغاء ما أقسم الله عليه بقوله : (لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ) [النّساء : ١٥٩].
وأما ترك العامّ على عمومه هنا ، فمن عدم التدبّر في الملابسات ، لأنّ لام جواب القسم ونون التأكيد مما يمحّض الفعل للاستقبال ، فيكون (لَيُؤْمِنَنَ) [النّساء :
١٥٩] بمعنى : أنه يؤمن كلّ كتابيّ موجود في زمن خاصّ من أزمنة المستقبل ، يعينه تقييده بلفظ (قَبْلَ مَوْتِهِ) [النّساء : ١٥٩] ، فيكون الكلام مصروفا إلى ما بعد نزول عيسى ، كقوله عليهالسلام : «ينزل فيكم عيسى ابن مريم» ، فإنه بمعنى : أنه ينزل في الأمّة الموجودين بعد النزول ، لا الموجودين في زمنه عليهالسلام.
والتخصيص بالقرائن والملابسات في الكتاب والسنة في غاية الكثرة ، فعلم أن الرواية والدراية تطابقتا على إرجاع الضميرين إلى عيسى عليهالسلام.