هو المقصود بالقول «غريب القرآن» وليس المراد بالغريب الوحشي المخلّ بالفصاحة لتنزه القرآن الكريم عن ذلك ، فهو أفصح كتاب وأسمى بيان.
نشأة علم الغريب :
أنزل الله تعالى القرآن الكريم على الرسول الأمين صلىاللهعليهوسلم بلسان عربي مبين. قال تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)(١) وقد نزل القرآن في عصر ازدهرت فيه اللغة العربية ، ولم يكن قد داخل الألسنة شيء ممّا داخلها بعد ذلك حين اختلط العرب بغيرهم من أبناء البلاد التي اعتنقت الإسلام. ولكنهم لم يكونوا سواء في الفهم والذكاء ، كما أنهم لم يكونوا سواء في قربهم من الرسول صلىاللهعليهوسلم أو بعدهم عنه ، لذلك كانوا إذا ما أشكل عليهم أمر سألوا الرسول صلىاللهعليهوسلم فأزال الإشكال ووضّح وبيّن ، وقصة عدي بن حاتم ذائعة مشهورة ، قال : «قلت يا رسول الله : ما الخيط الأبيض من الخيط الأسود؟ أهما الخيطان؟ قال : إنك لعريض القفا إن أبصرت الخيطين ، ثم قال : بل هو سواد الليل وبياض النهار» (٢).
وروى أحمد والشيخان وغيرهم عن ابن مسعود قال : «لما نزلت هذه الآية (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ) شقّ ذلك على الناس فقالوا : يا رسول الله وأينا لم يظلم نفسه؟ قال : إنه ليس الذي تعنون ، ألم تسمعوا ما قال العبد الصالح (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) إنما هو الشرك (٣).
وانتقل الرسول صلىاللهعليهوسلم إلى الرفيق الأعلى ، وظل الصحابة الكرام يتوقفون عند كلمات لم يعرفوا معناها ، فأبو بكر الصديق رضي الله عنه ، عند ما سئل عن قوله تعالى : (وَفاكِهَةً وَأَبًّا) قال : أي سماء تظلّني وأي أرض تقلّني إن
__________________
(١) يوسف ١٢ / آية ٢.
(٢) القرطبي ـ الجامع ٢ / ٣٢٠.
(٣) الذهبي ـ التفسير والمفسرون ١ / ٤٥ ـ ٤٦.