أنا قلت في كتاب الله ما لا أعلم» وابن عباس ترجمان القرآن قال «كنت لا أدري ما فاطر السموات والأرض حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر فقال أحدهما : «أنا فطرتها» والآخر «أنا ابتدأتها» (١).
وتوالت السنون واختلط العرب بغيرهم من الأمم نتيجة الفتوحات ، وامتزجت الألسن فبدأت العجمة تتسرب إلى اللسان العربي ، وكانت الحاجة إلى تفسير ألفاظ القرآن تزداد إلحاحا كلّما ابتعد العرب عن عهد الرسول صلىاللهعليهوسلم.
وأطل القرن الثاني للهجرة فنشطت الحركة العلمية أيما نشاط فتنوعت المعارف ونشأت علوم كثيرة تمحورت حول القرآن الكريم منها : علم نقط القرآن وشكله ، علم الوقف والإبتداء ، علم الغريب ، علم لغات القرآن ، علم أحكام القرآن ، علم الناسخ والمنسوخ ... وهكذا استقل علم الغريب وألف فيه الكثير من الأئمة والعلماء. قال ابن الأثير : (٢) «واستمر عصره إلى حين وفاته صلىاللهعليهوسلم ، وجاء عصر الصحابة جاريا على هذا النمط فكان اللسان العربي عندهم صحيحا لا يتداخله الخلل ، فلما فتحت الأمصار وخالطت العرب غير جنسهم فامتزجت الألسن ونشأ بينهم الأولاد فتعلموا من اللسان العربي ما لا بد لهم في الخطاب وتركوا ما عداه ، وتمادت الأيام إلى أن انقرض عصر الصحابة وجاء التابعون فسلكوا سبيلهم ، فما انقضى زمانهم إلا واللسان العربي قد استحال أعجميا ، فلما أعضل الداء ألهم الله سبحانه وتعالى جماعة من أهل المعارف أن صرفوا إلى هذا الشأن طرفا من عنايتهم فشرعوا فيه حراسة لهذا العلم الشريف».
التأليف في غريب القرآن :
إن أقدم ما وصل إلينا عن تفسير غريب القرآن ما نسب إلى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما مرتبا على السور ، الكلمة بإزاء الكلمة ، وقد ذكره
__________________
(١) السيوطي ـ الإتقان ١ / ١٤٩.
(٢) حاجي خليفة ـ كشف الظنون ٢ / ١٢٠٣.