كما أنّ إثبات صفاته سبحانه ، على نحو ينتهي إلى اللغز والتعقيد ويتّسم بعدم المفهومية ، مردود بنص القرآن الكريم حيث ندب إلى التدبّر فيما أنزل إلى نبيّه ، قال عزّ من قائل :( أَفَلا يَتَدَّبرون القُرآن )(١). وقال سبحانه :( كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الأَلْبابِ )(٢).
ولكن مع الأسف إنّ إثبات الصفات الخبرية لله سبحانه وإمرارها عليه بين الأشاعرة وغيرهم لا يخرج عن أحد هذين الإطارين ، فالكلّ إمّا يتكلّمون عنها في إطار التشبيه والتكييف ، ويسترسلون في هذا المضمار ، أو يفسرونها في إطار من التعقيد والغموض إذا احترزوا عن البحث والتفصيل ، والكلّ مردود ، مرفوض.
وهانحن نأتي ببعض نصوص القوم في هذا المجال ، حتى نرى كيف أنّ العناية بالإثبات في مقابل « نفاة الصفات » أفضى بالقوم إمّا إلى حدّ التشبيه ، أو إلى حدّ التعقيد. فمن كلمات الطائفة الأُولى :
١ ـ قيل لعبد الله بن مبارك : كيف يعرف ربنا؟ قال : بأنّه فوق السماء السابعة على العرش بائن من خلقه. (٣)
٢ ـ وقال الأوزاعي : إنّ الله على عرشه ، ونؤمن بماوردت به السنّة من صفاته. (٤)
٣ ـ وقال الدارمي في مقدّمة كتابه« الرد على الجهمية » : استوى على عرشه ، فبان من خلقه ، لا تخفى عليه منهم خافية ، علمه بهم محيط ، وبصره فيهم نافذ. (٥)
٤ ـ وقال المقدسي في كتابه« أقاويل الثقات في الصفات » : ولم ينقل عن النبي أنّه كان يحذر الناس من الإيمان بما يظهر في كلامه في صفة ربّه من الفوقية
ــــــــــــــــــ
١ ـ النساء : ٨٢.
٢ ـ ص : ٢٩.
(٣و٤و٥ ) ـ راجع في الوقوف على مصادر هذه النصوص كتاب « علاقة الإثبات والتفويض » : ٤٨ ، ٤١ ، ٦٨.