واليدين ونحو ذلك ، ولا نقل لهذه الصفات معاني أُخر ، باطنها غير ما يظهر من مدلولها ، وكان يحضر في مجلسه العالم والجاهل والذكي والبليد والأعرابي الجافي ، ثمّ لا تجد شيئاً يعقب تلك النصوص بما يصرفها عن حقائقها ، لا نصاً ولا ظاهراً ، ولما قال للجارية : أين الله؟ فقالت : في السماء ، لم ينكر عليها بحضرة أصحابه كي لا يتوهموا أنّ الأمر على خلاف ما هي عليه ، بل أقرّها وقال : أعتقها فإنّها مؤمنة. (١)
٥ ـ وقال القرطبي في تفسيره عند تفسير آية الأعراف « ثمّ استوى على العرش »:
وقد كان السلف الأوّل ـ رضي الله عنهم ـ لا يقولون بنفي الجهة ولا ينطقون بذلك ، بل نطقوا هم والكافة بإثباتها لله تعالى كما نطق كتابه وأخبرت رسله ، ولم ينكر أحد من السلف الصالح أنّه استوى على عرشه حقيقة ، وخص العرش بذلك لأنّه أعظم مخلوقاته ، وإنّما جهلوا كيفية الاستواء فإنّها لا تعلم حقيقته. (٢)
إلى غير ذلك من الكلمات التي يتبادر منها أنّ القائل بها يريد إجلاسه سبحانه على العرش إجلاساً حقيقياً حسّياً ، وأنّ تلك هي العقيدة الإسلامية التي يشترك فيها العالم والأعرابي الجافي.
وتصحيح ذلك بالجهل بالكيفية لا يفيد شيئاً ، فإنّ تلك اللفظة المجملة شيء تلتجئ إليه كلّ من المشبّهة والمجسمة ، ويقولون إنّ لله سبحانه جسماً لا كسائر الأجسام ، ولحماً لا كاللحوم ، ودماً لا كالدماء ، وكذلك سائر الصفات ؛ وإنّمااستحيوا عن إثبات الفرج واللحية ، وإذ قال قائلهم : اعفوني عن الفرج واللحية واسألوني عمّا وراء ذلك. (٣)
ليت شعري إذا كانت تلك اللفظة المبهمة مفيدة في مجال التوحيد والتنزيه والتجنب عن التشبيه فليقولوا : إنّ الله جسم لا كالأجسام ، عرض لا كسائر
ــــــــــــــــــ
١ ـ علاقة الإثبات والتفويض : ١١٥.
٢ ـ علاقة الإثبات والتفويض : ١١٥.
٣ ـ الملل والنحل : ١/١٥.