الأعراض ، آكل وشارب لا كالإنسان والحيوان ، فلماذا يستحيون عن حشد هذه الأوصاف مع انّها تفيدهم في التنزيه ، « البلكفة » وتكرار بلا كيف ولا تشبيه بعد كلّ صفة خبرية.
وبعد هذا لا تتعجب ممّا ذكره الزمخشري في كشّافه عن هؤلاء القوم حيث يقول : ثمّ تعجب من المتسمّين بالإسلام ، المتسمّين بأهل السنّة والجماعة ، كيف اتّخذوا هذه العظيمة مذهباً ، ولا يغرّنك تسترهم بالبلكفة ( أي قولهم بلا كيف ) فإنّه من منصوبات أشياخهم ، والقول ما قال بعض العدلية فيهم :
قد شبّهوه بخلقه وتخوّفوا |
|
شنع الورى فتستّروا بالبلكفة (١) |
ثمّ إنّنا نرى أنّ هؤلاء مع تحرّزهم عن تأويل الآيات يؤوّلون الآيات التي لا تناسب التجسيم بل تضاده ، فما هو الهدف من هذا التأويل مع كونه على خلاف منهجهم ، وإليك الآيات التي يصر القوم على تأويلها وحملها على خلاف ظاهرها ، وما ذلك إلاّ بأنّ الأخذ بظاهرها لا يجتمع مع جلوسه سبحانه على العرش ، وكونه في تلك الجهة ، وكونه جسماً متحيزاً في مكان خاص.
١ ـ قوله سبحانه : (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَما كُنْتُمْ وَالله بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ). (٢)
٢ ـ قوله سبحانه : (ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثة إِلاّ هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَة إِلاّ هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَما كانُوا). (٣)
٣ ـ قوله سبحانه : (وَهُوَ الَّذي في السّماء إِلهٌ وَفي الأَرْضِ إِلهٌ ). (٤)
فلو لم يكن هدف القوم من الجمود على الظواهر هو التجسيم والجهة فما هو الداعي إلى تأويل هذه الآيات بأنّ المراد منها هو إحاطة علمه سبحانه بالناس ، لا إحاطة ذاته ووجوده ، أليس ذلك يدلّ على أنّ القوم يبطنون
ــــــــــــــــــ
١ ـ الكشاف : ١/٥٧٦.
٢ ـ الحديد : ٤.
٣ ـ المجادلة : ٧.
٤ ـ الزخرف : ٨٤.