العقيدة بجلوسه سبحانه في السماء على عرشه حقيقة ، ولما شاهدوا أنّ ذلك لا يجتمع مع إحاطة وجوده لجميع العوالم الإمكانية ، خرجوا عن منهجهم بتأويل هذه الآيات بحمل الإحاطة على الإحاطة العلمية لا الوجودية ، والعجب أنّهم من يقول بوجوده سبحانه في كلّ مكان بالقول بالطول والنفوذ في الأجسام ، وهم لا يفرّقون بين الإحاطة الجسمية المادية ولا الإحاطة القيّومية ، والآية ناظرة إلى الثانية لا الأُولى.
هذا حال الطائفة الأُولى ، وأمّاالطائفة الأُخرى التي أفضى بهم القول بالإثبات إلى مهزلة الغموض والتعقيد ، وكأنّ الصفات الواردة في الذكر الحكيم لم ترد للتدبر فيها ، فإليك نزراً من كلماتهم :
١ ـ قال سفيان بن عيينة : كلّ شيء وصف الله به نفسه في القرآن فقراءته تفسيره ، لا كيف ولا مثيل. (١)
٢ ـ قال ابن خزيمة : إنّما نثبت لله ما أثبته لنفسه ، نقر بذلك بألسنتنا ونصدق بذلك في قلوبنا من غير أن نشبه وجه خالقنا بوجه أحد من المخلوقين. (٢)
٣ ـ قال الخطيب : إنّما وجب إثباتها ، لأنّ التوقيف وَرَدَ بها ، ووجب نفي التشبيه عنها بقوله تعالى : « ليس كمثله شيء » (٣)
٤ ـ قال ابن قدامة المقدسي : وعلى هذا درج السلف والخلف ـ رضي الله عنهم ـ متفقون على الإقرار والإمرار والإثبات لما ورد من الصفات في كتاب الله وسنة رسوله من غير تعرض لتأويله. (٤)
٥ ـ يقول ابن تيمية ـ مثير هذه النظرية بعد متروكيتها ـ « إنّ لله يدين مختصتين به ذاتيتين له كما يليق بجلاله ، وإنّه سبحانه خلق آدم بيده دون
ــــــــــــــــــ
١ ـ علاقة الإثبات والتفويض : ٤٤.
٢ ـ نفس المصدر : ٥٨.
٣ ـ علاقة الإثبات والتفويض : ٥٩.
٤ ـ نفس المصدر : ٥٩.