والتجسيم والجهة عملاً بظاهر قوله تعالى : (الرَّحمن على العَرْشِ اسْتَوى) (١) ، فهو من هفوات القلم وزلاّت الفكر ، بل الأخذ بظواهر الكتاب نفس الهداية والإعراض عنه واللجوء إلى غيره سبب الضلالة.
غير أنّ الذي يجب التركيز عليه هو أنّ الكبرى الكلية ( لزوم الأخذ بالكتاب والسنّة الصحيحة ) لا نقاش لمسلم فيها ؛ فيجب على الكلّ اتّباع الذكر الحكيم من دون أي تحوير وتحريف ، ومن دون أي تصرف وتأويل.
إنّما الكلام في الصغرى ـ أي تشخيص الظاهر عن غيره ، وتعيين مرمى الآية ـ مثلاً : هل اليد في قوله سبحانه : (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً ) (٢) ظاهرة في الجارحة المخصوصة ، أو كناية عن الجود والبذل ( بسط اليد ) أوالبخل والتقتير ( غلّ اليد ). وهذا هو الذي يجب بذل الجهد في سبيل معرفته ، بدل السب والشتم ، أو التفسيق والتكفير.
ولو أنّ قادة الطوائف الإسلامية وأصحاب الفكر منهم ، نبذوا الآراء المسبقة والأفكار الموروثة وركّزوا البحث على تشخيص الظاهر عن غيره ، حسب المقاييس الصحيحة ؛ لارتفع جدال الناس ونقاشهم حول الصفات ، الذي دام طوال مئات السنين.
إنّ رؤساء الطوائف الإسلامية في هذه الأعصار ، لو ابتعدوا عن العصبية والحزبيةوالآراء التي ورثوها من أناس غيرمعصومين ، وأحسّوا بضرورة توحيد الكلمة ـ إثر كلمة التوحيد ـ ورصّ الصفوف وتكاتف الجهود ، لارتفع كثير من الخلافات النابعة من تقديم الهوى على الحقّ.
وبما أنّ المعتزلة هم المعنيون بالمؤولة تارة ، وبالمعطلة أُخرى ، نبحث عن هذا الموضوع ( تعيين ما هو الظاهر المتبادر عند الذكي والأعرابي الحافي من الصفات الخبرية ، الواردة في الذكر الحكيم ) في الفصل الذي نخصّصه لبيان
ــــــــــــــــــ
١ ـ شرح أُمّ البراهين : ٨٢ كما في المصدر السابق.
٢ ـ الإسراء : ٢٩.