ج. الشيخ محمد عبده ( ١٢٦٦ ـ ١٣٢٣ هـ ) قد خالف الرأي العام عند الأشاعرة ، وصرح بتأثير قدرة العبد في فعله ، ولم يبال في ذلك بأحد من معاصريه ، ولا بأحد من رجال الأزهر الذين كانوا يرددون في ألسنتهم قول القائل :
ومن يقل بالطبع أو بالعلّة |
|
فذاك كفر عند أهل الملة |
أقول : إنّ الشيخ الأزهري« عبده » كان يعيش في عصر رفعت فيه المادية الغربية عقيرتها ضد الإلهيين عامة والإسلاميين خاصة ، وشنّت حملة شعواء على عقائدهم. وكانت أرض مصر أوّل نقطة من الأراضي الإسلامية عانت من بث سموم المادية القادمة من الغرب مع احتلال الفرنسيين لها بقيادة نابليون.
كانت العقيدة الإسلامية في مصر تتجلّى في المذهب الأشعري ، وكان إنكار العلية والمعلولية والرابطة الطبيعية بين الطبائع وآثارها من أبرز سمات ذاك المذهب ، وكان التفوّه بخلافه آية الإلحاد والكفر ، وقد شن الماديون على هذه العقيدة أُمور ملأوا بها صحفهم وكتبهم ، منها :
١ ـ أنّ الإلهيين لا يعترفون بناموس العلية والمعلولية ، وينكرون الروابط الطبيعية بين الأشياء وآثارها ، مع أنّ العلم ـ بأساليبه التجريبية المختلفة يثبت ذلك بوضوح.
٢ ـ أنّ الإلهيين يعترفون بعلّة واحدة وهي الله تعالى ، وهم يقيمونه مقام جميع العلل ، وينسبون كلّ ظاهرة مادية إليه سبحانه ، وأحياناً إلى العوالم العلوية التي يعبر عنها بالملك والجن والروح.
٣ ـ أنّ الإلهيين ـ بسبب قولهم بأنّ أفعال العباد مخلوقة لله سبحانه ـ لا يعتقدون بدور للإنسان في حياته وعيشه ، فهو مجبور في السير على الخط الذي يرسمه له خالقه ، ومكتوف الأيدي أمام تلاطم أمواج الحوادث ، فلأجل ذلك لا يؤثر في الإنسان شيء من الأساليب التربوية ولا يغيّره إلى حال.
إلى غير ذلك من الإشكالات والمضاعفات والتوالي الفاسدة ، التي لا تقف عند حد.
وقد وقف الشيخ على خطورة الموقف ، وأنّه ممّا يستحقّ أن يشتري بنفسه