دُونِهِ بَلِ الظّالِمُونَ في ضَلال مُبين ) (١) ، أي هذا الذي تشاهدونه في السماء والأرض وما بينهما من الأسباب والمسببات جميعه مخلوق لله ، والأسباب جنوده ، والآثار آثار للسبب والمسبب ( بالكسر ) ، كلّ على جهة خاصة.
فمن وقف على مجموعة كبيرة من الآيات في هذا المجال لم يشك في أنّ القرآن يعترف بقانون السببية بين الأشياء وآثارها ، وإنهاء كلّ الكون إلى ذاته تبارك وتعالى. فلا يصحّ عندئذ حصرُ الخالقية والعلّية المطلقة ، الأعم من الأصلي والتبعي في الله سبحانه ، وتصوير غيره من الأسباب أُموراً عاطلة غير مفيدة لشيء يتوقّع منها.
إلى هنا تبيّن عدم صحّة ما عليه الأشاعرة وأهل الحديث من حصر الخالقية في الله بالمعنى الذي يتبنّونه.
نعم هناك معنى آخر لحصر الخالقية في الله سبحانه ونفيه عن غيره بالمعنى الذي يناسب شأنه ، وهذا هو الذي يثبته العقل ، ويصرح به القرآن ، وتؤيّده الأبحاث العلمية في جميع الحضارات ، وهذا هو الذي نبيّنه في المعنى الثاني لحصر الخالقية.
الثاني (٢) : إنّ الخالقية المستقلة النابعة من الذات ، غير المعتمدة على شيء منحصرة بالله سبحانه ، ولكن غيره يقوم بأمر الخلق والإيجاد بتقديرة وقضائه ، وتسبيبه ومشيئته ، ويعدّ الكلّ جنوداً لله سبحانه يعملون بأمره ، وإليك توضيح ذلك :
لا يشكّ المتأمل في الذكر الحكيم في أنّه كثيراً ما يسند آثاراً إلى الموضوعات الخارجية والأشياء الواقعة في دار الوجود ، كالسماء وكواكبها ونجومها ، والأرض وجبالها ، وبحرها وبرها ، وعناصرها ومعادنها ، والسحب والرعد والبرق والصواعق ، والماء والنجم والشجر ، والحيوان والإنسان ، إلى غير ذلك من الأشياء الواردة في القرآن الكريم. فمن أنكر
ــــــــــــــــــ
١ ـ لقمان : ١٠.
٢ ـ تقدّم المعنى الأوّل في ص ١٦٠.