هذا النظام ومعه وبعده ، لا خالق ولا مدبر حقيقة وبالأصالة إلاّ هو ، كما لا حول ولا قوّة إلاّ بالله.
اختلاف الأشياء في قبول الوجود
يقول صدر المتألّهين : « إنّ الأشياء في قبول الوجود من المبدأ متفاوتة ، فبعضها لا يقبل الوجود إلاّ بعد وجود الآخر ، كالعرض الذي لا يمكن وجوده إلاّ بعد وجود الجوهر ، فقدرته على غاية الكمال ، يفيض الوجود على الممكنات على ترتيب ونظام ، بعضها صادرة عنه بلا سبب ، وبعضها بسبب واحد أو أسباب كثيرة ، فلا يدخل مثل ذلك في الوجود إلاّ بعد سبق أُمور هي أسباب وجوده ، وهو مسبب الأسباب من غير سبب ، وليس ذلك لنقصان في القدرة ، بل لنقصان في القابلية ، وعدم قبوله الوجود إلاّ في طريق الأسباب ، وإذا أردت التمثيل وتبيين نسبة أفعالنا إلى الله سبحانه فعليك بالكتاب النفسي ، والتأمّل في الأفعال الصادرة عن قواها ، فقد خلقها الله تعالى مثالاً ذاتاً وصفة وفعلاً ، لذاته وصفاته وأفعاله ، واتل قوله تعالى : (وَفي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ ) (١) وقول رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في « من عرف نفسه فقد عرف ربّه » فإنّ فعل كلّ حاسة وقوة من حيث هو فعل تلك القوة ، هو فعل النفس أيضاً ، إذ الإبصار مثلاً فعل الباصرة. لأنّه إحضار الصورة المبصرة أو انفعال البصر بها ، وكذلك السماع مثل السمع لأنّه إحضار الهيئة المسموعة ، أو انفعال السمع بها ، فلا يمكن شيء منهما إلاّ بانفعال جسماني ، وفي الوقت نفسه هما فعل النفس بلا شكّ لأنّها السميعة البصيرة بالحقيقة ، وذلك لا بمعنى أنّ النفس تستخدم القوى كما يستخدم كاتب أو نقاش ، فإنّ مستخدم البناء لا يلزم أن يكون بناءً ، ومستخدم الكاتب لا يلزم كونه كاتباً ، مع أنّا إذا راجعنا وجداننا نجد نفوسنا ، هي بعينها المدركة والبصيرة والسميعة وهكذا الا (٢) مر في سائر القوى ».
ــــــــــــــــــ
١ ـ الذاريات : ٢١.
٢ ـ الأسفار : ٦/٣٧٧ ـ ٣٧٨.